للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هل تذكرون كلامي في الحلقة الماضية عن منين وكيف تركتها وأخذت شمالي إلى حَلبون؟ إن منين هي محطّة في الطريق إلى رنكوس، يمشي بعدها الطريق صاعداً في الجبل حتى يصل إلى صِيدْنايا؛ وفيها الدير الكبير وهو من أكبر أديِرَة النصارى وأعمرها، وله تاريخ طويل، والنصارى يحجّونه ويعتقدون فيه عجائب الأباطيل. ثم يزداد الطريق صعوداً ووعورة حتى يبلغ رنكوس.

عندنا قريتان كانتا تُعجِزان الحكومات، صلابة وشدّة وعنفاً وجرأة منقطعة النظير، هما رَنْكوس هذه وفيها آل سرسق (١) وسَرْغايا من هناك، وهي بعد الزّبداني وفيها آل الشمّاط. لا أقول إنهما أسرتا فتوّات، فما كانا عليه أكبر من عمل الفتوّات؛ كان أشبه بعمل عُتاة العصابات، أقصد الذي كان لا أتكلم عن حالهما الآن.

والذي زاد ألمي أنه كان معنا في الصفّ (أي الفصل) في مكتب عنبر طالب أكبر منّا سناً ولكنه مقصّر دائماً، ينجح سنة ويسقط أخرى رغم عناية بعض الأساتذة به لأنه ابن أسرة كبيرة وجيهة، وكان أبوه (كما أظن) وزيراً. صار هذا الطالب معلّماً في رنكوس، وكان أهله يبذلون طاقتهم كلّها ويسخّرون وجاهتهم لنقله، فلما حدث هذا الحادث استندوا إليه فنقلوني معلّماً في رنكوس مكانه وأعطوه مكاني.


(١) وإنها لتتشابه الأسماء وتتفاوت الأفعال، سرسق وسرسيق، الأول اسم من عرفتم وسرسيق اسم الصديق العالِم الكاتب، وإن كان له قلم يجعله إن شاء أنكى من سلاح آل سرسق وأبقى أثراً.

<<  <  ج: ص:  >  >>