للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد آلمني هذا الظلم وكان أشدّ عليّ من الإبعاد.

* * *

فارقت سَقبا وسلّمتها إلى هذا المعلم الجاهل. ولست أسبّه إن قلت إنه جاهل، هل تسبّ الحمار إن قلت إنه حمار ولم تقُل إنه غزال بآذان طوال؟ ولكن لا، أستغفر الله لي وله، فقد مضى إلى رحمة ربه وأنا ماضٍ بعده، ولقد كان رفيقي في المدرسة، فاللهمّ ارحمه وسامحني.

وخرجت من مدرسة سقبا كأني لم أدخلها ولم أبِت فيها ليلة قط ولم أعِش فيها عاماً ونصف عام، وكأنّي لم أُودِعها من ذكرياتي ومن حياتي ما لا أستطيع أن أنساه لأنه صار جزءاً مني، أي من الـ «أنا» التي أقوم بها وتقوم بي.

وإن أنسَ لا أنسَ يومَ الوداع، يوم ألقيت على هؤلاء الصغار الأطهار وصيّتي الأخيرة ثم فارقتُهم فراق الأب أبناءه. خرجت وهم يشيّعونني واجمين، الحزن يملأ قلوبهم ولكن العجز عن البيان يمسك ألسنتهم، ولقد رأيت فيهم مَن يتكلم بدمعه لمّا عجز عن الكلام بفمه. وليس هذا عجيباً، فقد أشعرتُهم أني كنت لهم أباً أو أخاً كبيراً، أؤدّبهم وقد أضربهم ولكنني كنت أخاف عليهم وأحبّهم، ألا يؤدّب الأبُ ابنَه الذي يحبّه؟

لقد كان يهوّن عليّ فراقَهم أنني ما غششتهم وأني نصحت لهم، وأني لم أدّخر وسعاً في تقويمهم وتربيتهم؛ لم أكُن معلّماً كالمعلّمين بل كنت مرشداً وناصحاً. نبّهت الإيمان في قلوبهم الصغيرة، ما قلت إني غرسته لأن الإيمان مغروس في أعماق كلّ

<<  <  ج: ص:  >  >>