للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلب، ولكن يغفل فيحتاج إلى تنبيه ويُستَر (أي يُكفر) فيحتاج إلى إظهار. علّمتُهم الصدق حتى إن أحدهم يعترف بذنب ارتكبه لم يرَه عند ارتكابه أحد. كانت وراء المدرسة قطعة أرض كبيرة تابعة لها مهمَلة فكلّفت التلاميذ انتخاب نفر منهم ليفلحوها ويزرعوها، وعلّمتُهم كيف يكون الانتخاب فانتخبوهم بإشرافي. بدأت منهجاً علمياً في التربية وفي التعليم، ولكنهم لم يدَعوني أُتمّه من أجل خاطر رفيقنا ابن الأكرمين، فانهدّ البناء كله لمّا تركتُه.

وجدت ورقة في دفتر قديم فيها سطور كتبتها يوم ٣١ كانون الأول (ديسمبر) ١٩٣٣ هذا نصّها أنقله كما وجدته: "أنا الآن في قعر الهوّة، فهل أخرج منها؟ هل أذكر هذه الأيام المريرة فأتحدّث عنها وأحمد الله على الخلاص منها، أم قد ذهبَت الآمال إلى غير رجعة؟ هل قُضي عليّ أن أبقى أبداً معلّماً في القرى أم ... "

أم ماذا؟ لم أجد بقيّة الجملة، ومهما تكن فإن الله -وله الحمد- قد نقلني من تلك الهوة إلى «أم» (١).

فيا أيها الواقعون في الضيق، الذين يعيشون الشدائد، الذين يقاسون المصائب ويتحمّلون الآلام، لا تيأسوا من رَوح الله؛ إن الله عنده من كل ضيق مخرج وبعد كل شدّة فرج. هل قرأتم كتاب «الفرج بعد الشدّة» للقاضي التنوخي؟ لقد قرأته وعمري إحدى عشرة سنة، ثم قرأته أكثر من ثلاثين مرّة وحفظت قصصه كلها من كثرة ما أعدت النظر فيه، وصحّحت من حفظي الكثير


(١) عُرضت مرّة مجموعة من السبايا على المعتصم، فسأل واحدة منهن: أنتِ بكر أم أيش؟ قالت: أيش يا أمير المؤمنين.

<<  <  ج: ص:  >  >>