للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رداً ضعيفاً وقالوا: مَن الأخ؟

فخبّرهم من كان معي أنني المعلم وأنني جئت ماشياً، فكبرت في أعينهم قليلاً. ودعوني إلى القعود، ثم قال المختار: لا يا جماعة، بل يدخل فيأكل شيئاً ويستريح. ودخلت معهم إلى «المَضافة» فشربت الشاي وأكلت ما حضر، وسألت: أين المدرسة وأين تلاميذها؟ فسبّوا الحكومة وشتموا المعلّم، وفهمت من كلامهم أن الوزارة لم تستأجر داراً للمدرسة، ولا صنعَت ولا صنع المعلّم شيئاً للقرية. وتلقّيت أنا هذه الشتائم بوصفي الموظف الحكومي الوحيد بينهم!

وكان الناس قد تواردوا على «المضافة» ليروا هذا المعلّم العجيب الذي بلغ حبّه التعليم وشغفه به أن يخوض إليه الثلج ويلتحف البرد ويتعرض للمهالك. فلما كثر عددهم قمت فألقيت عليهم خطبة نارية مجلجلة، أثرت بها وطنيتهم ونبّهت إيمانهم وحيّيت بطولتهم ورجولتهم، ورغّبتهم بالعلم ليكون من أبنائهم من يحتلّ هذه الكراسي التي يقتَعِدُها الجواسيس والمنافقون من رجال السلطة وأذناب الاستعمار.

وما إن انتهيت حتى صرت عندهم شيئاً آخر غير الذي رأوه أول مرّة. واستأذنتهم أن أرجع اليوم وأعود إليهم إن شاء الله بعد أن تُفتح المدرسة وتستكمل عدّتها. ولم أرجع ماشياً، بل تطوّع واحد منهم عنده سيارة فحملني إلى قلب صيدنايا.

* * *

هل كان يخطر على بالي يومئذ أنها ستمرّ إحدى وخمسون

<<  <  ج: ص:  >  >>