والتجديد كما نفهمه (أو كما أفهمه أنا على الأقلّ) لا يكون بقطع الصلة بالماضي، ولا بالخروج على قواعد اللغة وسنن العرب في كلامها، ولا بالدعوة الحمقاء إلى العامّية، ولا بأن نعمد إلى عقود الشعر فنقطع خيوطها وننثر حبّاتها ونأتي بشيء لا هو بالنثر ولا هو بالشعر؛ بل أن تبقى اللغة عربية سليمة من العلل، بليغة قوية بعيدة عن الركاكة والضعف، ونصبّ فيها بعد ذلك ما شئنا من أساليب جديدة وأفكار جديدة، أي أن نصنع ما صنع أجدادنا في العهد العبّاسي حين ترجموا كتب اليونان والفرس فجعلوها عربية، ولم يجعلوا لغتهم من أجلها يونانية ولا فارسية ولا لغة ممسوخة مسخاً، هي من أصلها العربي كالقرد الذي كان إنساناً فمُسخ قرداً أو خنزيراً (١).
هذه اللغة القردية التي نراها في المجلاّت، تترجم عن الإنكليز والفرنسيين أدبهم، تنقله إلينا كما يُنقَل التمثال البديع لكن بعد كسره، لا تنقله تمثالاً بل رفات تمثال! وقد أنفق ساعة من وقتي أحاول أن أفهم صفحة منه ثم لا أفهمها".
هذا كلامي في مقالة منشورة قبل نصف قرن كامل، أي قبل أن يولد هذا المولود المشوَّه الكريه الذي اسمه «الشعر الحرّ»، الذي سكرت أبصار الناس حتى رأوا فيه حَسَناً ما ليس بالحَسَن، وما هو إلاّ مسخ للشعر كما مُسخ من قبلُ قوم بيغن وشارون.
* * *
(١) المسخ الوارد في القرآن: من العلماء من قال إنه مسخ حقيقي ولكن من يُمسَخ لا يعيش إلاّ قليلاً ولا يكون له نسل، ومن قال إنهم مُسخوا في أخلاقهم وسلوكهم فصارت كصفات القِرَدة والخنازير.