للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له: أنت أستاذي ... وبدأت أذكّره بتلك الأيام، فبان على وجهه الغضب المكتوم وقال: دع هذا الآن. قلت متعجباً: ولِمَ يا سيدي؟ قال: أنسيت أنك كنت تكذّبني وأنا ألقي الدرس؟

قلت: يا سيدي، أبعد أربع وخمسين سنة؟ والله إني مظلوم وبريء (كما يقولون في المسرحيات).

لقد كانت القصة أن الشيخ كان يدرّسنا التوحيد، وكانوا يبدؤون عادة بذكر الواجب والمستحيل والممكن، فجعل يضرب أمثلة على المستحيل ويسألنا: من يدّعي هذا ماذا نقول له؟ فنقول: كذّاب. وشرد ذهني ولم أنتبه إلى أنه انتقل إلى كلام آخر، فكنت كلما أكمل الجملة أقول: «كذّاب»!

رحمه الله؛ لقد كان مدرّساً نافعاً، وكان مؤلفاً يصنّف للطلاب الكتب التي توافق مداركهم وتسيغها عقولهم؛ ألّف «المعجم المدرسي»، ثم ألّف رسالة ما سبقه أحدٌ -فيما أعلم- إلى موضوعها هي «المعجم في النحو والصرف» وجعله مرتَّباً على الحروف. وأنا أقترح على الأستاذ الكبير عبد الرحمن التونسي (والشيخ هو عمّ أمّه) أن يعيد طبعه وأن يسعى لتعمّمه وزارة المعارف على جميع التلاميذ، فإني لا أعرف كتاباً في حجمه يحوي مثل علمه ويفهمه التلاميذ مثل فهمه. وهذا شيء خطر على بالي الآن وأنا أكتب هذا الفصل، ما فكّرت فيه من قبل، ولكن أرجو أن يكون خدمة لذكرى أستاذي ومنفعة لأبناء بلدي، وأنا أعد هذا البلد بلدي وبلد كل مسلم يتوجّه في صلاته إليه.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>