جاؤونا برجل اسمه «الحاجّ نمر» قالوا إنه يعرف البادية كما يعرف صحن داره، وإنه يسلك بنا طريقاً إلى القُرَيّات لا يمرّ به على الأزرق ولا يدنو من مخافر الجيش الذي كان يقوده أبوحنيك. وضَمِنوه لنا فوثقنا به، وسلّمناه رقابنا ومشينا مع الحاجّ نمر، الذي تبيّن لنا بعد قليل أن أولى به أن يُدعى «الحاج غراب» على قاعدة: «قدْ ضَلَّ مَن كانتِ الغِربانُ تهديهِ»!
سار بنا جنوباً لا يتبع طريقاً مرسوماً، وما كان ثمة طرق مرسومة نتبعها. وكان مسيرنا في آخر الهزيع الأول من الليل، فما مضى إلاّ قليل حتى أبصرنا أنفسنا وسط بلدة أثرية بها بنيان كثير وفيها أزقّة وطرقات، وفيها برج عالٍ قديم، لكنها مهجورة كما يظهر منذ قرون ليس فيها ديّار ولا نافخ نار، اسمها «أم الجمال». لم أدرِ ما تاريخها، وأنا أعجب كيف مرّت هذه المدّة كلها وأنا لم أعرف إلى الآن ما خبرها، وأظنّ (ولست مؤكداً) أني سمعت الشيخ حمد الجاسر يذكرها مرّة في الإذاعة، فأرجو منه وممّن له علم بها أن يتفضّل عليّ ويبعث به إليّ، أو يكتبه وينشره لينتفع الناس به إذا عرفوا خبره.
وطلبنا الدليل، فإذا هو مريض قد غثَت نفسه وغلبه القيء، فأسعفناه. وكان معنا كلّ ما يحتاج إليه الإسعاف العاجل، كما كان معنا من الطعام ومن الشراب ومن الأدوات والآلات ما لا يُستغنى عنه في مثل هذه الرحلة، كما حملنا معنا مئتي صفيحة بنزين مختومة، لأنه لم يكن ينبع النفط إلاّ في العراق ولا كنّا نعرف محطّات الوقود على الطرقات.