لمّا صحا سألناه، فاعتذر بأنه لم يركب سيارة من قبل، فلذلك دار رأسه وانقلبَت معدته. وتبيّن أنه لا يعرف في هذا المكان طريقاً نسلكه، وطلب أن نرسله وحده في سيارة ليكشف بها الطريق وننتظر نحن عودته هنا. وغاب وطال غيابه، وكانت ليلة باردة ونحن في العراء لا غطاء ولا وطاء، ولا نستطيع أن ننام، وأين وكيف ينام من يريد المنام؟ حتى طلع النهار فإذا هو قريب منّا، فسألناه لماذا لم يرجع إلينا، فكان جوابه أنه كان ينتظر أن نلحق نحن به!
اتضح لنا الآن أننا خُدعنا به وأنه قليل الخبرة، ولكن ماذا نصنع؟ إن كان قليل الخبرة بالمسالك فنحن لا خبرة لنا بها أبداً، والقليل خير من الصفر، ولا يمكن أن نعود لنأتي بغيره. فرجوناه ورفقنا به، وشتمناه وقسونا عليه، وأطعمناه ووعدناه وخوّفناه وهددناه، فكأنه استعاد ما فقد من المعرفة بالطرق ومن الثقة بنفسه، وأقسم أنه يخبر هذه الأرض شبراً شبراً وأنه مشى فيها بعدد شعر رأسه. فاطمأننّا قليلاً وسرنا معه، وكانت الشمس قد بزغت وانقضت أول ليلة من ليالي الرحلة.
مشي بنا في جبل وعر فيه أحجار وفيه حُفَر، ومضت ساعة كاملة وهو لا يزداد إلاّ وعورة، فثار به القوم وأوسعوه أسئلة وشتائم، وهو يحتمل: إما صبراً وحسن أخلاق أو بلادة وفَقد حِسّ، ثم ادّعى أنه ليس بيننا وبين القريّات إلاّ أن نقطع هذه الوعرة. فصدّقه ناس منّا ومالوا إلى رأيه وأعلن آخرون: حسبنا ما جرّبنا. وصرنا -كما يقول المثل الشامي العامّي- مثل أهل الحمّام إذا انقطع عنه الماء! ولم يكن لنا أمير نرجع إليه فكثر الجدل