مطاعم خاصّة يُدعى صاحبها «الروّاس»، يقدّم من الرأس أصنافاً وألواناً.
وكان الخروف مفتوح العينين فتوهّمت أنه ينظر إلينا، وكان ناعس الطرف فتذكّرت ما قال الشعراء في العيون النواعس. ثم رأيت أني إن استرسلت في أوهامي وخيالاتي بقيت جائعاً، لأن القوم أحدقوا بالقصعة وشَمّروا عن سواعدهم، ونظروا شزراً فعل من يُقدِم على معركة، فخشيت أن يذهبوا باللحم ويبقى لي الوهم والرز بلا لحم، فأتغدّى خيالاً وأدباً ويأكلون هم الخروف. فنسيت عينه المفتوحة وطرفه الناعس، واعتذرت إليه وأقبلت أخوض المعركة. ولكن كيف أخوضها بلا سلاح، بلا ملعقة؟ إن القوم يأخذون قبضة الرز واللحم فيديرونها حتى تصير كالكرة الصغيرة، ثم يقذفونها في حلوقهم فتقع في المرمى وتصيب «الهدف». فحاولت أن أعمل مثلهم، فانفلت الرز من بين أصابعي وملأ السمن كفي، فرفعته إلى فمي فسال على ثيابي، فجعلت أعمل على إدخاله فمي فدخلَت فيه أصابعي كلها حتى كدت أختنق وما دخل فيه الرز ولا اللحم، وغسل وجهي السمن حتى صار يلمع، لا يضيء بالتقوى ولكن بالدهن! وإني لفي هذه المحنة إذ أحسست بيد تمسّ كتفي، فظننته يريد أن أفسح له ففسحت، وإذا به يزيد في إكرامي فيأتي بطبق من خالص السمن العربي فيصبّه على الرز بين يدي.
فقمت وعيني إلى الطعام تملؤها الشهوة إليه، وبطني فارغ تزقزق عصافيره تطلب العودة إليه، وذكرت من قال عن فقد عبده في إشبيلية (التي كانت تُسمّى حِمْصاً):