للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يكن ذلك غريباً عليّ، فقد كانت هذه عادتنا في الشام، ولطالما صببت على أيدي الضيوف بأمر من أبي. وكانت تلك أكره شيء إلى نفسي، لا سيما حين يُلقي الضيف ما في فمه في الإناء بعد أن يغسل فمه وأسنانه! وقد بَطُلَت هذه العادة حين اتخذنا «المغاسل» في البيوت. وهذه الطشوت وهذه الأباريق صناعة شامية عريقة يتفنّنون في أشكالها وفي العناية بها، كانت للاستعمال فصارت للزينة، وأقول (بالمناسبة): إن لولد شيخنا، أعني شيخ مشايخنا الشيخ جمال الدين القاسمي كتاباً (نفيساً جداً) عَدّ فيه الصناعات الشامية ووصفها وتكلّم عنها، وأكثر هذه الصناعات نُسيَ ومات أهله، فتضاعفت بذلك قيمة الكتاب (١).

* * *

وخرجنا نتجوّل في البلد (في القريات) فرأيناها كلها في جولة واحدة، ورأيت المساجد (في السعودية) أول مرّة. والمساجد تتفاوت في جمال بنائها وزخارف جدرانها والفن في منبرها ومحرابها واختلاف أشكال مآذنها، وهذا كلّه من البدع، وهو جميل رائع بمقياس الفنّ ولكنه مكروه مذموم بمقياس الدين، لأن كل ما يشغل المصلّي في صلاته عن الله مخالف لشرع الله. والمساجد في السعودية (ما رأيت منها سنة ١٣٥٣) خالية منه، فهي دانية السقوف، يقوم سقفها على عمد كثيرة متقاربة من جذوع النخل أو من اللبِن، وأرضها مفروشة بالرمل، لا سجّادة ولا بساط ولا حصير. ولمّا سألنا عن سرّ ما رأينا عجبوا من


(١) هو «قاموس الصناعات الشامية»، وقد سبق الحديث عنه في الحلقة الثامنة عشرة من هذه الذكريات (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>