سؤالنا، وكأنهم استخفّونا واستجهلونا لأن من المقرّر عندهم (أو عند عامّتهم) أن هذه هي سنّة السلَف وأن المساجد لا تُفرَش.
وأنا رجل سلفي بحمد الله من قبل هذه الرحلة، ولكني لست «ظاهرياً» أتمسّك بحرفيّة النصّ وأحبس نفسي بحدود الألفاظ. وأنا أعلم أن الأصل في المسجد في بنائه وفرشه البساطة (البساطة بالمعنى المتعارف لا المعنى اللغوي)، فلما كانت أرض البيوت أو أكثرها من التراب كانت المساجد كذلك، أما أن نتخذ لبيوتنا أغلى السجّاد العجمي وأثمن الستائر وأفخم الفرش، ولا ندخلها بالأحذية المتربة الوسخة ونمسح عنها الغبار، ثم نجعل أرض المسجد من التراب، وأن نقعد عليه بأبيض الثياب وأن ندوس عليه بالأحذية (وإن كانت الصلاة بها مشروعة) وأن نضع أحذيتنا حيث يضع المصلّون جباههم فتؤذيهم وتكسر نفوسهم، فلا. وقد كانت الطرق في صدر الإسلام جافّة، وكانت نظيفة لأن تنظيفها وإماطة الأذى عنها من شُعَب الإيمان، فصارت الطرق مغمورة حيناً بماء المجاري النجس، حتى إنهم في بعض البلدان لا يمنعهم الدين ولا الذوق السليم أن يسقوا به الحدائق العامّة وسط الشوارع، فبدلاً من أن تشمّ شذى الورد وريّا الزهر تشم رائحة ماء المراحيض!
* * *
عدنا إلى الدار التي منحونا مفتاحها، ولكن ما الذي نصنعه فيها؟ ليس عندنا عمل نُنجِزه ولا كتاب نقرؤه، ولا جديد من الأحاديث نتناوله ونتجاذبه، وما بنا حاجة إلى المنام فننام، فطال علينا النهار وثقلت ساعاته. وأنا أفكّر من قديم في أمر نراه دائماً