ولا أعرف له تعليلاً: لماذا يضيق أحدنا بالزمان إذا لم يجد ما يقطعه به؟ لماذا تثقل عليه ساعات الفراغ؟ لماذا يملّ الانتظار؟ لماذا يكره أحدنا أن يخلو بنفسه؟ هل نفسي عدوّ لي أشتغل عنه دائماً بقراءة كتاب، فلماذا أقطع عمري بما يشغلني عن مراقبته والتفكير فيه؟
لقد وجدت الجواب: إنه ضعف الإيمان، ولو كنت كما ينبغي أن أكون لأنست في خلوتي بالله ولم أضِق بالوحدة ولا كرهتها، ولمَا أضعت لحظة من حياتي (التي سيسألني الله عنها) في غير ما ينفعني عنده يوم العرض عليه. ولكن ياأسفي! ما عندي إلاّ الكلام ورجاء العفو من الله.
لماذا أقمنا ذلك النهار في القريات على قلّة العمل وكثرة الملل؟ لقد كنّا ننتظر الدليل الذي وعدنا أن يختاره لنا الأمير. وجاء الدليل فإذا هو سيد من سادات قبيلة الشّرَارات، وهم عُمّار تلك الديار، لمّا رأيناه أيقنّا أنْ قد أبدلنا الله بدرهمنا الزائف ديناراً صحيحاً حين صرف عنّا ذلك الدليل الجاهل الثقيل وجاءنا بهذا الأعرابي الفَكِه الظريف، الذي أفدنا منه فوائد كثيرة ولمسنا في صحبته السلائق العربية المسلمة: الذكاء والوفاء والإباء والمنطق البليغ، وكله بلهجة أهل البادية، والذاكرة القوية والجواب الحاضر والصبر والإيثار.
ولقد أثمرَت لي صحبته أدباً جديداً حين كتبت قصته «أعرابي في حَمّام» و «أعرابي في سينما» و «الأعرابي والشعر»، وكلها نُشر في «الرسالة» وهي في كتابي «صور وخواطر». وما جاء