في هذه القصص من وصف الأعرابي هو وصف هذا الدليل الذي اسمه صْلِبي (بتسكين الصاد على عادة أعراب اليوم في الابتداء بالساكن)، وإن قامت هذه القصص على أعمدة من الخيال، خيال لم يُخرِجها من حدود الأدب الواقعي. والواقعية في الأدب ليست بسرد ما وقع فعلاً، بل بما يمكن أن يقع.
جدّد لنا قدوم الدليل نشاطنا وشدّ من عزائمنا، فاتخذنا عُدّة الرحيل. وكان أهل البلد مجتمعين عند الدار التي كنّا ننزل فيها، جاؤوا يودّعوننا، فقد كان حضور وفدنا من الأحداث التي تُحفَظ ويُروى حديثها لأن القريات كانت -في تلك الأيام- كأنها منقطعة لا يكاد يمرّ بها أحد وليست على طريق يجتازه المسافرون. وكان السفر على الدوابّ، فلا سيارات ولا طرق يمكن أن تمشي فيها السيارات. هم جاؤوا يودّعوننا وذهبنا نحن معهم نودّع الأمير، فوجدناه قد أعد مجلساً عالياً يُشرِف منه على الفضاء الرحب. فاستقبلَنا ورحب بنا و «قَهْوانا»، ودعانا إلى المبيت وألحّ علينا وذهب يلتمس إلى إقناعنا الطرق، ونحن نشكر ونعتذر ونتملّص. لا أدري أكان ذلك حياء منه أن نطيل المكث في ضيافته أم كراهية البقاء في هذه البلدة الساكنة سكون المقبرة الخالية من كل شيء يشغل أو يسلّي، أم حماقة منّا!
وقد تبيّن لنا بعد أن مشينا أنه ليس إلاّ الحماقة التي أعيت من قبلُ مَن يداويها. ولمّا عجز عن أن يقنعنا بالبقاء عرض علينا العشاء، فأصررنا على الاستئذان. ولست أنسى كلمة قالها هذا الشابّ، وكيل أمير القريات الذي لم يتعلّم في مدرسة ولم يحمل شهادة. قدّمنا إليه من الحلوى الشامية التي حملنا منها معنا،