للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتي ملأت شهرتُها البلاد وعجزَت عن صنع مثلها أيدي الطهاة، فاستطابها وقال لنا إنه ما ذاق من قبل مثلها ولكنه (وهذه هي الكلمة)، قال: ولكنه كان يفضّل ألاّ يذوقها، لئلاّ يعوّده مذاقُها الترفَ ويسلبه روح الصحراء.

كانت الحماقة وحدها هي التي حملتنا على ترك ضيافة الأمير؛ ذلك أننا لم نسِر إلاّ ساعة حتى أظلم الليل وتوعّرَت الأرض وتعذّر المسير، فقال لنا الدليل: قفوا، فوقفنا. فعرض علينا العودة إلى القريات لأن السير صعب والمبيت هنا أصعب، فأبينا، فنزل ودعا إلى النزول فنزلنا، قال: انظروا. فنظرنا، نظرنا فإذا الأرض تعصر ماء، وإذا هي سبخة من السباخ التي يُستخرج منها الملح، قال: ارجعوا فلا محطّ لكم هنا.

فأبينا الرجوع، وتفرقنا وذهبنا يميناً وشمالاً نفتّش عن أرض خير منها نبيت فيها. قال: أين تذهبون؟ كل هذه المنطقة مثل هذه البقعة، فارجعوا فناموا في البلد، فإذا أصبح الصباح سرتم في ضوء النهار. قلنا: لا. قال: مَن أميركم؟ قلنا: كلنا أمير. فأنشد أبياتاً من الشعر النبطي ضحك منها الشيخ الرواف، لأن فيها -كما بدا- السخرية منّا والهزء بنا. أمّا نحن فلم نضحك ولم نبكِ لأننا ما فهمنا منها شيئاً، وربما كان الجهل نعمة على صاحبه أحياناً.

وذهب هو والشيخ ياسين فقعدا في السيارة، وما أدري من أين هبط عليّ العقل تلك الليلة ففعلت فعلهما؛ آثرت أن أُمضي الليل قاعداً من أن أنام في الوحل. وما السبخة إلاّ وحل فيه ملح. وبسطوا هم بُسُطَهم على الماء فابتلّت، وناموا عليها

<<  <  ج: ص:  >  >>