للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حقاً عن العالَم، لقد صرنا وراء حدود الدنيا، فلا بشر إلاّ الرفقة التي أصحبها، وهي رفقة مختلفة لا مؤتلفة، مختلفة في الأفكار وفي العادات وفي المقاصد وفي الغايات، ما كنت أعرف منهم قبل الرحلة إلاّ الشيخ ياسين الرواف والسيد كامل البني، وكان معنا في المدرسة الابتدائية، وزكي آغا سكّر، لقيته مرّة لقاء لم تزِد صلتي به عليه.

حتى الطبيعة من حولنا لا أحسّ منها إلاّ ما يبعث الخوف وينفي الأمان: تلال الرمال وصخور الجبال، وأرض تشتعل رمضاؤها وتنفث لهباً سماؤها، وسراب رأيتُه أول مرّة فحسبته ماء، لا يختلف منظره عن منظر بركة الماء فإذا جئته لم تجده شيئاً، فهو كالشهرة والمجد والجاه وكل ما في الدنيا من متع المال والجمال، كلها سراب يتمنّاها المحروم منها ولا يشعر بالمتعة بها من أوتيها. هل يستمتع صاحب السيارة الفخمة التي تمرّ بالفقير، والقصر الفخم الذي يمرّ به الفقير، المتعة التي يتصوّرها الفقير؟

سراب، صدّقوني إن اللذّات المادّية كلّها سراب.

كان عملنا كله التدقيق في الأرض لئلاّ نغوص في رملة أو نمرّ على «شعيب» أو نصطدم بصخرة، والاستماع لما يقول الدليل إن كنّا في سيارته، أو تعليق أنظارنا بسيارته إذا كنّا في غيرها لنتبعها. لقد كنت أفكّر في هذا الإنسان الذي هو أنا وفي غروره: ما الإنسان بجنب هذه الصحراء، ما عمره في عمرها؟ ما مكانه منها؟ وهذه الصحراء ما هي من أرض الله الواسعة؟

<<  <  ج: ص:  >  >>