للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه الأرض ما منزلتها بين هذه الأجرام التي تُعَدّ الشمس بكبرها حجراً في صحرائها، وهذه الأجرام من الفضاء، وهذا الفضاء من السماوات؟

ونبّهَتني الصيحة فأنزلَتني من برجي، هل أقول «العاجي»؟ ما رأيت في عمري برجاً عاجياً ولا أعرف ما هو! الصيحة التي جعلَتنا نثب من السيارة لنُخرِجها من الرمل، وما أكثر ما كانت تغوص في الرمل.

* * *

سلكنا بعد القريات مَهامِهَ وفلوات لا يُعرَف لها أول ولا آخر، ولم أكُن أدري ولا يدري أحدٌ ممّن كان معنا أين موقعها على المصوَّر، وكلما ازددنا إيغالاً في الصحراء زادت بنا بُعداً عن مظاهر الحياة. وكنّا نستمع أخبار الدنيا من الرادّ فانقطعت عنّا لأننا لم نعُد نجد الوقت الذي نقعد فيه لاستماعه، ولا الكهرباء التي نمدّه بها لنستمع منه. لقد خافوا أن ينفد كهرباء السيارات، وكنّا أحوج إليه فلا نضيعه في سماع الأخبار.

صرنا كأننا خارج الدنيا فلا نراها ولا نعرف أخبارها، فاسترحنا من مشاغل السياسة وهموم المجتمع وأعباء التفكير، وانحصر هَمّنا كله في أن تبقى هذه السيارات تحتنا تحملنا وتمشي بنا، وأن نجد ما نأكله وما نشربه، وأرضاً نُلقي عليها جُنوبنا.

نصبنا السرادق أول ليلة فقط، ثم صرنا أعجز وأكسل من أن ننصبه. كنّا نسير النهار كلّه سيراً بطيئاً متعباً، ولطالما قفزنا من السيارات لنُخرِج واحدة غرقت في الرمل، كنّا نمشي:

<<  <  ج: ص:  >  >>