قرأت أخبار نسف الخطّ وقتل «الوليد» الجميل الذي لم يتجاوز عمره عشر سنين، وحراسه وموظفيه من الأتراك المسلمين إخواننا في الدين، كلما قرأتها أو ذكرتها أحس الألم يحزّ في قلبي وأرى الدمع يقطر من عينَيّ.
ولمّا قامت الدولة العربية في الشام سنة ١٩١٨، وكنت في آخر المدرسة الابتدائية، سمعت بأنه تألّفَت «مديرية خاصة» لإصلاحه، فأصلحَت أولاً ما بين دمشق ودرعا ثم ما بين درعا وحدود فلسطين. وفلسطين مثل سوريا والأردن ولبنان، كلها أرض الشام وكلها بلد واحد، ولكن المستعمرين إذا دخلوا بلدة قسّموها وجعلوها بلاداً وجعلوا أعزّة أهلها أذلّة. كانوا أعزّة باتحادهم فصاروا أذلّة باختلافهم، «وكذلك يفعلون» دائماً.
وأخذَت هذه المديرية تتابع إصلاح الخطّ الذي دمّره لورنس وتركه مُقطَّع الأوصال مقلَّع الخطوط مهدَّم المحطّات محطَّم القاطرات والحافلات فاسد المعامل والآلات، وكان على رأس هذه المديرية علاء الدين الدروبي، والي دمشق يومئذ.
أمّا الأموال التي أُنفقت على بدء إصلاحه فلم تقدّمها الحكومة الجديدة الفقيرة، بل هي ما تَجَمّع من أموال أوقاف الحرمَين، وهي كثيرة جداً في الشام ومصر وغيرهما. ولو أن إدارة الحرمَين الآن (الشيخ سليمان بن عبيد والشيخ السبيّل) تابعتها وبحثت عنها ووكّلت محامين للمطالبة بها لأحسنَت صنعاً، ولشكرها الناس وأثابها الله، أو لو قامت بذلك رابطة العالم الإسلامي أو الندوة العالمية للشباب الإسلامي.