للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان من عادة أهل الشام أنهم يعلّمون الصغار الصيام الذي يسمونه «درجات المئذنة»؛ يصوم الطفل من الفجر إلى الظهر، ومن الظهر إلى العصر، ومن العصر إلى أن يفطر مع الكبار عند الغروب.

ويُعِدّون له في أول يوم يصومه كاملاً «سفرة إفطارية»، وهي مائدة خاصة بالطفل الصائم فيها أطباق صِغار فيها من كل ما لذّ وطاب، من الطعام والشراب ومن أصناف الحلوى وأنواع الفاكهة الموجودة (لأننا لم نكن نجد الفواكه كلها في الفصول كلها كما تجدونها الآن، بل كان لكل موسم فاكهته). ويتصدرها الطفل الصائم يحفّ به الأهل ويمدحونه ويثنون عليه، ويعلمونه كيف يحمد الله ويشرحون له عظيم الأجر عند الله، حتى يسمعوا مدفع الإفطار. وكانت هذه المائدة من أشد الوسائل أثراً في تحبيب الصيام إلى الطفل.

قلت «المدفع» لأن دمشق كانت صغيرة يُسمِعها المدفع الذي يُطلَق من جبل المِزّة، أما اليوم فلم تعد تُسمعها عشرة مدافع، ولا تُسمع جدة التي عرفتها يوماً متوارية وراء السور بين باب مكة وباب شريف والباب الجديد، طولها كيل واحد وعرضها كيل واحد. وعرفت الرياض التي كانت كلها الديرة فقط، وكان شارع البطحاء بطحاءَ حقيقية، فصارت كما ترون. فكيف بالقاهرة التي يسكنها عشرة ملايين؟

وكانت طرق دمشق وأسواقها تعجّ بعد العصر بالناس والأصواتُ تتعالى بالنداء على أطعمة رمضان تتخللها عبارة «الله وليك يا صايم» ولها نغمة خاصة. وقد عرفتم فيما سبق من هذه

<<  <  ج: ص:  >  >>