للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذكريات (١) أن نداء الباعة في الشام أشعار، إن فقدَت بلاغة اللفظ الفصيح فما فقدت وثبات الخيال وومضات العواطف، وفيها فوق ذلك روعة النغم.

وللباعة في مصر أيضاً أنغام طالما سرق منها الملحّنون. هل سمعتم أغنية «يا فايتني وانا روحي معاك»؟ لقد أخذ محمد القصبجي لحنها من بيّاع زيتون، سمعه ينادي فلحقه يمشي وراءه في الأزقّة والحارات يحفظ النغمة، حتى أتقنها بعدما مشى وراءه إلى العباسية!

واسألوا أبا الفرج الأصفهاني عن قصة الجارية التي كانت تحمل جرة الماء وتغني، فلحقها المغني المشهور (الذي نسيت الآن اسمه) يستعيدها النغم ويعطيها درهمين كلما أعادت، فقالت له: ما لكم؟ تعطّلون الجارية عن عملها وتعرضونها لغضب سيدها، وتعطونها درهمين وتأخذون لحناً تربحون به مئتَي ألف درهم! فكان كما قالت (٢).

* * *


(١) في الحلقة الثانية والأربعين، وهي في الجزء الثاني (مجاهد).
(٢) المغنّي هو إسماعيل بن جامع، وخبره مع الجارية السوداء التي لقيها باليمن فأخذ عنها النغم في الجزء السادس من «الأغاني» (ص٣١٥)، وفيه أنه سمعها في اليوم الأول بدرهمين، ثم احتال في اليوم الثاني ليسمعها بغير أجر، فقالت: إنك تستكثر فيه أربعة دراهم، وكأني بك قد أصبت به أربعة آلاف دينار! ومرّ زمان فغنى به الرشيدَ يوماً فأعطاه ثلاثة آلاف دينار، فضحك، قال: ما يضحكك؟ فأخبره بالخبر، فمنحه الرشيد ألفاً رابعة وقال: لا نكذّب الجارية (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>