يا سقى الله أيامي في أعظمية بغداد وأهلها! كانوا يقولون لنا:"جايين تقَشْمرونا، تاخدون فلوسنا وتنسونا"، ما قال ذلك خاصّتهم وفضلاؤهم بل بعض العامّة منهم، فها هي ذي سبع وأربعون سنة قد مرّت، فهل رأيتموني يا أهل بغداد قد نسيتكم؟ هل كتب أحد عن بغداد بعد زكي مبارك أكثر ممّا كتبت أنا؟ أوَلَم أؤلّف كتاباً عن بغداد حالت عواصف السياسة وغبار تلك العواصف بينه وبين أهل بغداد، فلم يطّلع عليه إلاّ قليل منهم؟ وما لي بالسياسة من أرب وما كنت من أربابها ولا من أحبابها، ولكن كان ذنبي فيه أني وصفت ما رأيت، فمدحت ناساً صار مديحهم يؤذي من نزل بعدهم منازلهم وحلّ محلّهم. وكذلك الدنيا: مقاعد قطار، يصعد واحد وينزل واحد.
ورأيت رمضان في البصرة، ومتّعت البصر بمرأى شطّ العرب وملايين من أشرف العرائس يستحممن في مائه، عرائس النخيل في الأُبُلَّة التي هي اليوم أبو الخصيب. ألم يشهد لهم شيخ المعرّة حين قال:
وفي كركوك لمّا كانت قرية أو كالقرية، وكنّا نستضيء في لياليها بشمعات ثلاث لا تنطفئ أبداً، لا في الليل ولا في النهار ولا تحت المطر، ذلك لأننا لم نكُن نعرف أن الغاز الطبيعي له ثمن وأنه يمكن أن يُباع، فكنّا نحرقه لنخلص منه يوم لم يكن قد ظهر النفط في غير العراق.
ورأيت رمضان في بيروت سنة ١٩٣٧ وأنا مدرّس في الكلّية