للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشام، والتي سطعت منها بعد ذلك الشمس التي طمست بنورها الوهّاج أضواء تلك المشاعل؛ شمسُ الإسلام.

كانت الجزيرة عند زيارتي التي أكتب عنها لا تزال نائمة، مرّ بها هذا القطار فلم يقف هو عليها ولم تشعر هي به. أفاقت متأخرة فرأت أن من ركب القطار قد مضى، فهل تبقى مكانها لأن القطار قد فاتها؟ فأين -إذن- هِمَم الرجال وأين ما يفعل المال؟ وأين إرث الحضارة في دمها وسموّ الإسلام في روحها؟ ومتى كان المسلم يرضى بالدنيّة ويقبل من المعالي بأن يسكن السفحَ والناسُ يتسابقون إلى الذُّرى؟

لذلك ركبَت سيارة السباق ولحقت القطار، فإذا هي إلى جنب مَن أسرع إلى ركوبه. بدأَت متأخرة ولكنها جاءت سابقة، فالبلاد التي عرفتُها في رحلتي الأولى (التي أتكلم عنها) ولم يكن فيها سبع مدارس ابتدائية رسمية صار فيها سبع جامعات، ولم يكن فيها واحد يحمل (فيما أعلم) شهادة جامعية صار الدكاترة فيها يُتعبون العادّين والمُحْصِين، والتي لم يكن فيها مستشفى واحد يمكن أن يُقال له مستشفى صار فيها عشرات من المستشفيات التي تزاحم بمناكبها في حلبة السباق أفاضل مستشفيات العالم، ولم يكن فيها قبل خمسين سنة لمّا زرتها مدرسة للبنات فصارت فيها مدارس البنات بالمئات.

والمملكة العربية السعودية التي كانت (لولا عبقرية منشئها وشخصيته) خفيفة الوزن في ميزان الدول صارت من أثقلها وأعلاها صوتاً وأرجحها رأياً، وصارت مثابة لعظماء الأمم من

<<  <  ج: ص:  >  >>