للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أفينقطع إشعاع القرآن ولو تطاول عليه الزمان؟ وإذا قَسَت الجلود اليوم فلم يعُد يؤثّر فيها، فهل تظنّون أن جلود هذه الأمة ستبقى على قسوتها؟ أوَلا تعتقدون أن الله سيبعث من أصلابها مَن يُعيد لها عزّتها ومجدها ووحدتها ومكانتها تحت الشمس؟

ألم تبقَ هذه القرية التي كانت يثرب ألفَي سنة لا تحسّ بها روما ولا تدري بها القسطنطينية، ولم يسمع باسمها ولم يعلم بوجودها من في الصين أو من في الفلبّين، فلما نزلها محمد ‘ ذهبت يثرب وجاءت المدينة المنوَّرة بنور الإسلام، بالنور الذي انبثق من حِراء، ثم انتشر منها فوصل إلى الهند والصين وأندونيسيا والفلبّين، وإلى أرض الثلوج من شمالي أوربّا وكندا وبلاد الرمال المستعِرة في الصحراء الكبرى وصحراء نيفادا وما حولهما، وصل إلى الأميركيتين وإلى أستراليا.

من حمله إليها؟ الجيوش المنظَّمة؟ إن ثلثَي العالَم وصل إليه نور الإسلام بعد انقضاء عهد الفتوح. دعاة من العلماء درسوا أصول الدعوة ووضعوا لها الخُطَط؟ إن أكثرها وصل إليه الإسلام عن طريق جنود مجهولين من التجّار.

لما زرت أندونيسيا سنة ١٩٥٤ ومشيت إلى أقصى الشرق منها فجاوزت سورابايا إلى كارّاشيك، «مقر الشيخ»، وهو الشيخ الذي حمل الإسلام إلى تلك الديار. ولما أردت أن أُؤلف كتابي «في أندونيسيا» سألت، فلم أجد أحداً يعرف من هو هذا الشيخ ولا من أين جاء! جندي مجهول، مجهول عندنا ولكنه معروف عند الله. رجل لا يعرفه أحد وُلدت على يديه أكبر دول الإسلام اليوم!

<<  <  ج: ص:  >  >>