اذكروا أيام الفتوح الأولى حين كان عمر وهو في المدينة يدير ثلاث جبهات للقتال في الشام ومصر والعراق، يعطيها الأوامر التفصيلية، يرسم لها الخطط وكأن أمامه الهاتف الكهربي (الإلكتروني) والخريطة المجسَّمة، في عهد لم تكن فيه خرائط مجسّمة ولا هواتف. اقرؤوا كتاب أخبار عمر الذي ألّفته أنا وأخي ناجي، بل اقرؤوا من قبله أصلَه الذي أُخذ منه والذي ألّفته سنة ١٣٥٢، وهو الكتاب الكبير الذي كان اسمه «عمر ابن الخطاب»(١). اقرؤوه، فستحسّون عند قراءته بقلوبكم تهزّها خفقات الإعجاب، وبدموعكم يُسيلها ما فيه من مواقف الإيمان والتضحية النادرة ابتغاء ما عند الله، فإنّ منها ما يُسيل دمع التأثّر من عيون الصخر.
كان المجاهدون كلّما وقعوا في مأزق استنجدوا بعمر، فهزّ
(١) هذا الكتاب غير موجود ولا أُعيدت طباعته منذ طُبع أول مرة، لأن جدي نقضه وأنشأ على أنقاضه كتابه الآخر: «أخبار عمر». ولهذا الكتاب قصة ستأتي فيما يأتي من حديث الذكريات. والصحيح أنه ألّفه سنة ١٣٥٥ لا سنة ١٣٥٢ كما صرّح في هذا الموضع وفي غيره، وفي آخر صفحة منه «كلمة الختام» وفي آخر سطر فيها تاريخ كتابتها: "منتصف المحرم عام ١٣٥٦". ولا بد أن يكون كذلك لأن جدي ألّفه بعدما ألفَ كتابه عن أبي بكر (صرح بذلك غير مرة)، وكتاب «أبو بكر الصديق» أُلّف سنة ١٣٥٣ بلا ريب. وقد أعياني البحث في هذه المسألة زماناً، لكني لم أهتدِ قط إلى السبب الذي أوقع جدي في هذا الوهم فظنّ أنه ألف كتابه القديم عن عمر سنة ١٣٥٢، وتكررت إشارته إلى هذا التاريخ في مواضع شتى من هذه الذكريات (مجاهد).