وهل تظنون أن استطراداً في فصل من هذه المذكّرات مساحته بضع صفحات يتّسع للكلام عن الجامع الأموي؟
لقد كانت المدرسة الجقمقية (ولا تزال) أمام الباب الشمالي للجامع، فكنا ندخله كلما سنحت لنا فرصة بين الدروس وفي أوقات الصلوات، وكان لنا مهوى القلب ومستقرّ الحب، كما كان -مع الأسف- ميدان اللعب!
لقد كنت في تلك الأيام التي أتكلم الآن عنها (سنة ١٩١٩) كلما سمعت خبراً عن الأموي أختزنه في ذاكرتي. وكنت لا أنسى شيئاً سمعته أو قرأته، أحفظه من مرة واحدة فلا يفلت مني.
تقولون:«إنّ الفتى مَنْ يقولُ هأنَذا»، فلا تفخر بما كان بل صِفْ ما هو كائن الآن. أصدقكم القول: إنني لا أزال أحفظ ما أسمع أو أقرأ، ولكني أنسى نصفه فأرويه بمعناه، وأنسى ممّن سمعته أو أين قرأته. وهذه نعمة أحمد الله عليها. أتريدون أن أكون في الشيخوخة كما كنت في الصبا؟ هيهات!
أترجو أن تكونَ وأنتَ شيخٌ ... كما قد كنتَ أيامَ الشبابِ؟
لقد كذَبَتكَ نفسُك، ليسَ ثوبٌ ... خليقٌ كالجديدِ من الثيابِ
وحسبي أنني الآن -بفضل الله- أقوى جسداً وأوعى ذاكرةً مِن أكثر مَن أعرف من الشيوخ.