عبدالسلام الطويل. وهو ابن صديق والدي الشيخ موسى الطويل، التاجر العالِم المجاهد الذي أبلى في الثورة أحسن البلاء، وكان له عمل ظاهر في كلّ أعمال الخير.
أين -ناشدتكم الله- أضع سبعين خيّالاً في دار لا تزيد مساحتها على مساحة إسطبل واحد لفرس واحد من هذه الخيول؟ فخرجت إليهم إلى شارع بغداد. وكان الجيران والأقرباء قد جاؤوا بقِدْرٍ كبير عصروا فيه أرطالاً من الليمون البلدي وصنعوا شراباً، وجمعوا من بيوت الحارة كل ما عندهم من أكواب وصواني، وخرجَت الصواني عليها الأكواب تسقي الفرسان. وألقيت عليهم خطبة من الخطب التي كنت ألقيها في تلك الأيام، خُطَب حروفها من لهب النار وكلماتها من تيار الكهرباء، وهي مزدانة بألمع الصور، صور الجهاد الإسلامي من صدر تاريخنا الرائع الذي لم تملك أمة في الدنيا مثله، وكنت يومئذ أغلي بالحماسة وأتفجّر بالشباب، كنت ابن سبع وعشرين سنة، لست الشيخ ابن السبع والسبعين الذي يكتب هذا الكلام.
وامتلؤوا حماسة، وتراءت لهم صور الأمجاد من تاريخنا الماجد. ثم قلت لهم وأنا أشير بيدي: إلى الأمام يا أيها الأبطال، إلى الأمام ... إلى المجد، إلى العلا، إلى الاستقلال!
وركضوا خيولَهم وأسرعوا يعدون بها. ومشوا إلى الأمام فما انتبهوا إلاّ وهم في القَصّاع حيث ينتهي شارع بغداد. ما دنوا من المجد ولكن ابتعدوا عن داري، لابُخلاً ولا لؤماً، فما أنا بحمد الله من البخلاء ولا اللئام، ولكن الله لايكلّف نفساً إلاّ وسعها،