إني لأفكر في هذا الآن فأرى أنني فعلت ذلك لأسباب؛ أولها: أنني اشتغلت من قبل بالتعليم، والمعلّم وإن كان موظفاً مقيّداً بقيود الوظيفة ولكنه في الفصل حر، يأمر كثيراً ولا يُؤمَر إلاّ قليلاً. ولأن تعييني مدرّساً في الثانوية كان يومئذ أمراً كالمستحيل، لأنه لم يكن في الشام إلاّ ثانوية رسمية واحدة هي «مكتب عنبر»، وقد عرفتموه، وكان يدرّس فيه أساتذتي، فهل أزاحم أساتذتي على كراسيهم وهم أحياء؟
أما الثانويات الأهلية فقد درّست فيها، كنت مدرّس الأدب العربي في الكلّية العلمية الوطنية سنة ١٩٣٠ أو سنة ١٩٣١ (وطُبع لي يومها كتاب عن بشّار لاأرتضيه الآن). كنت معلّم ابتدائي ولكني كنت متمرّداً، أقوم بعملي كله أو بأكثر منه لأني كنت أحبّ عملي، ولكن لا أشعر بالخضوع لمدير. ولمّا جاءت بدعة دفتر التحضير رفضتها، ولم يستطع أحد أن يجبرني عليها لأنني إذا ضُويقتُ فزعت إلى قلمي فجرّدته فقرعت به أركان وزارة المعارف. كانوا يعرفون هذا ويعرفه كل من أدرك تلك الأيام، لا أقول هذا فخراً وادّعاء بل أقرّر حقيقة يعرفها من عاش في دمشق قبل خمسين سنة. وأنا لا أرى للشباب أن يقلّدوني فيه، ولكن أذكر ما كان. وأنا أعلم أنّه لا يستقيم أمر أمّة إذا تمرّد موظفوها على رؤسائهم أو تكبّر عليهم رؤساؤهم؛ إنما يستقيم أمرها إذا وقّر صغيرُها كبيرَها ورحم كبيرُها صغيرَها، واتّبعوا في ذلك منهج الإسلام وسنّة الرسول عليه الصلاة والسلام.
فكنت ذا صفة رسمية، معلّم ابتدائي، وصفة اجتماعية كما