ذكرت لكم. وكنت أستطيع أن أحرّك البلد وأن أغلق الأسواق، وكنت أنجح في حالات كثيرة بمعونة جماعات من التجّار وجمعية الهداية الإسلامية في الشام. والذي يجعل الناس يُصغون إليّ ويستمعون مني أني لم أكُن منتسباً يوماً إلى حزب ولا إلى هيئة ولا إلى جماعة، وما كان لي مقصد أو منفعة شخصية أبتغيها وأحرص عليها. قيّدوني بقيود الوظيفة ولكن ما استطاعوا أن يشدّوا لساني بخيط أو أن يربطوه برباط، كنت أقول ما أعتقد، لا أهاب فيه أحداً ولا أخشى له مغبّة. حتى حين كبرت وشخت وضاقت بلساني مسالك القول في أكثر البلدان، وسُدّت أمام القلم صفحات الجرائد والمجلاّت، صرت أسكت أحياناً مضطراً، أسكت عن كلمة الحقّ لأني لا أقدر أن أقولها، ولكن ما قلت قط كلمة الباطل. صرت أبتعد عن الصدع بالأولى أمام من بيدهم السلطان، بل أبتعد عنهم، ولكن ما قلت إلى الآن كلمة تُسخِط الله وتجافي الحقّ لأسترضي بها صاحب سلطان، والمطبوع ممّا كتبت إلى الآن (وهو تحت أعيُن الناس، يزيد عن عشرة آلاف صفحة) يشهد لي إن شاء الله بما أقول. ولا أزكّي نفسي ولا أدّعي العصمة، فالعصمة للرسول ‘، ولا أقول إني كامل، ولكن أقول إني أحرص دائماً على أن لا أنطق بغير الحقّ.
كانت لي مواقف وأنا معلّم آذيت فيها الرؤساء بمخالفتهم وآذوني في رزقي وفي وظيفتي بسلطانهم؛ دُعيت مرّة أن أكون من اللجنة العليا الفاحصة في امتحان الشهادة الابتدائية (السيرتيفيكا)، وكان يُعقَد له على عهد الفرنسيين امتحان عامّ. وكنّا يومئذ نُعنى بالعربية عناية قد يعجب منها من يسمع الآن خبرها، من ذلك أن