للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

نافعًا، وفي غالب أمره كان يحدث به مرسلًا، بلا واسطة بينه وبين عبادة، ومكحول لم يدرك عبادة بن الصامت، ولم يره، قال أبو داود: "لم ير عبادة بن الصامت"، وقال البزار: "ولم يسمع منه" [تحفة التحصيل (٣١٤)، التهذيب (٤/ ١٤٨)].

وبناءً على ما تقدم: فإن الرواية الثالثة ظاهرة الضعف لانقطاعها البين بين مكحول وعبادة، وأما الثانية فمدارها على نافع بن محمود بن الربيع، أو: ابن ربيعة، ولم يترجم له البخاري ولا ابن أبي حاتم، وقال ابن حبان في ثقاته (٥/ ٤٧٠): "نافع بن محمود بن ربيعة: من أهل إيلياء، يروي عن عبادة بن الصامت، روى عنه حرام بن حكيم ومكحول، متن خبره في القراءة خلف الإمام يخالف متن خبر محمود بن الربيع عن عبادة، كأنهما حديثان، أحدهما أتم من الآخر، وعند مكحول الخبران جميعًا عن محمود بن الربيع ونافع بن محمود بن ربيعة، وعند الزهري الخبر عن محمود بن الربيع مختصر غير مستقصى"، لذا قال الذهبي في الميزان (٤/ ٢٤٢): "لا يُعرف بغير هذا الحديث، ... ، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: حديثه معلل".

ونافع هذا لا يُعرف إلا في هذا الحديث [وأما حديثه الآخر في التفريق بين الأم وولدها، فلا يصح عنه، في سنده: عبد الله بن عمرو بن حسان الواقعي، وهو كذاب، يضع الحديث. انظر: سنن الدارقطني (٣/ ٦٨)، مستدرك الحاكم (٢/ ٥٥)، سنن البيهقي (٩/ ١٢٨)، البدر المنير (٦/ ٥٢٠)، اللسان (٤/ ٥٣٣)]، فهو مجهول؛ كما قال الطحاوي والجصاص وابن عبد البر وابن قدامة [وتقدم نقل كلامهم بعد حديث زيد بن واقد]، والذين وثقوه كالدارقطني والبيهقي اعتمدا في ذلك على كون خبره عندهما صحيح، تصحيحًا للمذهب، وهو حكم غير مقبول، فإن الذين قالوا بجهالته واحتجوا بذلك على تضعيف حديثه: قولهم أقرب للصواب، وهو الموافق لقواعد الأئمة المعتبرين، حيث إن حديث المجهول إذا خالف أحاديث الثقات فإنه يُرد ولا يُقبل، كما هي الحالة هنا، وإذا وافق حديثه أحاديث الثقات، يصحح حديثه ويمبل، كما سبق أن أشرت إلى ذلك مرارًا.

ونافع بن محمود هذا مع جهالته قد خالف في حديثه الَّذي انفرد به ما رواه الزهري الإمام الفقيه الحافظ المتقن، والذي اتفق على حديثه الشيخان، وأعرضا عن حديث نافع هذا عمدًا، لذا قال الترمذي في الجامع (٣١١) عن حديث الزهري: "وهذا أصح"، بعدما حكم على حديث مكحول بأنه حسن، مشيرًا بذلك إلى ضعفه، ثم أكد ذلك بترجيح حديث الزهري عليه، والله أعلم.

قال ابن عبد البر في التمهيد (١١/ ٤٦): "ونافع هذا مجهول؛ ومثل هذا الاضطراب لا يثبت فيه عند أهل العلم بالحديث شيء، وليس في هذا الباب ما لا مطعن فيه من جهة الإسناد غير حديث: الزهري، عن محمود بن الربيع، عن عبادة، وهو محتمل للتأويل".

قلت: نافع مجهول، كما قال، لكن الحديث عندي ليس مضطربًا؛ حيث أمكن بيان الوجه الراجح، وأن مكحولًا حدَّث به على الوجهين: الثاني والثالث، ولا يصحان؛ أما

<<  <  ج: ص:  >  >>