قلت: هكذا روى هذا الحديث عن ابن إسحاق: إبراهيم بن سعد، وسلمة بن الفضل، ويونس بن بكير، فمنهم من جمع فيه بين شيخي ابن إسحاق: محمد بن جعفر بن الزبير، وأبي الأسود يتيم عروة، ومنهم من أفرد أحدهما، وكلاهما: مدني ثقة، مشهور بالرواية عن عروة، لكنهم اجتمعوا على صفة واحدة في صلاة الخوف، بينما رواه إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق مرة أخرى، فجعله عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة، عن عائشة، فخالف في صحابي الحديث من جهة، ومن جهة أخرى أتى فيه بصفة عجيبة لصلاة الخوف لم يشركه فيها أحد، بينما الصفة الأولى والتي رواها عن أبي هريرة فقد شاركه فيها: حيوة بن شريح، وعبد الله بن لهيعة، فروياه عن أبي الأسود؛ أنه سمع عروة بن الزبير، يحدث عن مروان بن الحكم؛ أنه سأل أبا هريرة:. . . فذكر الحديث بنحوه.
واجتماع هذين الإسنادين على هذه الصفة مما يجعل النفس تطمئن لثبوتها، بخلاف حديث عائشة، فهو حديث غريب، والحمل فيه على ابن إسحاق نفسه، والله أعلم.
يبقى الترجيح بين حديث ابن إسحاق، وحديث حيوة وابن لهيعة، في إثبات مروان بن الحكم بين عروة وأبي هريرة، والأقرب عندي رواية ابن إسحاق حيث قال فيه: أخبرني محمد بن عبد الرحمن بن نوفل -وكان يتيمًا في حجر عروة بن الزبير-، عن عروة بن الزبير، قال: سمعت أبا هريرة، ومروان بن الحكم يسأله عن صلاة الخوف، فذكر القصة وفصلها، وبين فيه سماع عروة من أبي هريرة، وهو ما يدل عليه كلام البخاري، خلافًا لما سبق نقله من ترجيح الدارقطني، والله أعلم.
قال الترمذي في العلل (١٦٨) نقلًا عن البخاري قوله: "وحديث عروة بن الزبير عن أبي هريرة: حسن".
ولو فرضنا صحة ترجيح الدارقطني، فلا يضر في ثبوت الرواية، فإن مروان بن الحكم: صدوق، لا يُتَّهم في الحديث [تقدم الكلام عليه مفصلًا عند الحديث رقم (٨١٢)].
والحاصل: فإن حديث عروة عن أبي هريرة: حديث حسن، كما قال البخاري، وأما حديث عائشة: فهو حديث غريب، لا يثبت، والله أعلم.
***
[٢٨٥ - باب من قال: يصلي بكل طائفة ركعة، ثم يسلم فيقوم كل صف فيصلون لأنفسهم ركعة]
١٢٤٣ - . . . معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر؛ أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلى بإحدى الطائفتين ركعةً، والطائفة الأخرى مواجِهةُ العدو، ثم انصرفوا فقاموا في مقام أولئك، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة أخرى، ثم سلم عليهم، ثم قام هؤلاء فقضَوا ركعتهم، وقام هؤلاء فقضَوا ركعتهم.