البيضاوي في تحفة الأبرار شرح مصابيح السُّنَّة (٣/ ٤٥٣): "القرآن الأول يحتمل القراءة والمقروء، والثاني متعين في المقروء، والمراد به: الزبور، ولعله سماه قرآنًا، لما كان في قراءته من الإعجاز، كما سمي القرآن، لما في لفظه من الإعجاز".
كذلك فإن في الحديث دلالة على أن الله يطوي الزمان لمن يشاء من عباده كما يطوي المكان وهذا لا سبيل إلى إدراكه بقدرة البشر، وإنما هو هبة وعطية من الله للعبد فيما لا قدرة للعبد عليه بما جرت به العادة.
وهذا في حق داود نظير قول الله تعالى {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ}: وقول الله تعالى: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ}؛ فكان كل ذلك من دلائل نبوته، والله أعلم.
* * *
[٣٢٦ - باب تحزيب القرآن]
١٣٩٢ - . . . ابن أبي مريم: أخبرنا يحيى بن أيوب، عن ابن الهاد، قال: سألني نافع بن جبير بن مطعم، فقال لي: في كم تقرأ القرآن؟ فقلت: ما أحزِّبه، فقال لي نافع: لا تقُلْ: ما أحزِّبه، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "قرأت جزءًا من القرآن"، قال: حسبت أنه ذكره عن المغيرة بن شعبة.
* حديث غريب
أخرجه أبو بكر بن أبي داود في المصاحف (٢٧٤ - ٢٧٥)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (١١٨). [التحفة (٨/ ١٩٧/ ١١٥٣٢)، المسند المصنف (٢٥/ ١٥١/ ١١٢٨٧)].
رواه عن سعيد بن الحكم بن أبي مريم [وهو: ثقة ثبت]: محمد بن يحيى بن فارس [الحافظ الذهلي: إمام ثقة]، ويعقوب بن سفيان [ثقة حافظ إمام]، وغيرهما.
قلت: هذا الحديث يغلب على الظن عدم اتصاله؛ لأمور:
منها: أنه قال فيه: حسبت؛ فلم يجزم بكونه من مسند المغيرة.
ومنها: أنه قال فيه: ذكره عن المغيرة بن شعبة، وهذه العبارة كانوا يستعملونها فيما ليس بسماع.
ومنها: أن نافع بن جبير بن مطعم إنما يروي عن المغيرة بن شعبة بواسطة ابنه عروة [كما في حديث المغيرة بن شعبة في المسح على الخفين: أخرجه البخاري (١٨٢ و ٢٠٣ و ٤٤٢١)، ومسلم (٢٧٤/ ٧٥)، راجع: فضل الرحيم الودود (٢/ ١٨٥/ ١٥١)].
ومنها: أن الطبراني في معجمه الكبير لما ذكر الرواة عن المغيرة بن شعبة، لم يذكر فيهم نافع بن جبير، وإنما ذكر نافع بن جبير في الرواة عن عروة عن أبيه المغيرة [المعجم الكبير (٢٠/ ٣٦٦ - ٤٤٤) (٢٠/ ٣٧٥)].