وقال ابن رجب في الفتح (٥/ ١٩٧ - ١٩٩): "ولا نعلم خلافًا بين العلماء في أن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأخير مشروعة، واختلفوا: هل تصح الصلاة بدونها؟ على ثلاثة أقوال:
أحدها: لا تصح الصلاة بدونها بكل حال، وهو مذهب الشافعي وأحمد -في رواية عنه-[وذكر الآثار التي احتج بها البيهقي].
والثاني: تصح الصلاة بدونها مع السهو دون العمد، وهو رواية أخرى عن أحمد وإسحاق، وروي معناه عن ابن عمر من قوله [سبق القول بتضعيفه]، ... ، واستدل بعض من قال ذلك بحديث فضالة بن عبيد المتقدم ذكره، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر من صلى ولم يصلِّ عليه بالإعادة حيث لم يكن يعلم ذلك، وإنما علمه أن يقولها فيما بعد.
والثالث: تصح الصلاة بدونها بكل حال، وهو قول أكثر العلماء، منهم: أبو حنيفة، ومالك، والثوري، والأوزاعي، وأحمد وإسحاق -في روا ية عنهما-، وداود، وابن جرير، وغيرهم، وقال النخعي: كانوا يكتفون بالتشهد من الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ... ، ولعله أراد: أن التسليم عليه والشهادة له بالرسالة تكفي من الصلاة عليه، وقد روي عنه ما يدل على أن ذلك مراده، وعن منصور والثوري نحوه أيضًا، واستدل لذلك بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعلم المسيء في صلاته الصلاة عليه، ولا صح عنه أنه علمها أصحابه مع التشهد، مع أنه علمهم الدعاء بعده، وليس بواجب كما سبق، والأمر بها في حديث ابن إسحاق لا يدل على الوجوب؛ فإنه إنما أمرهم عند سؤالهم عنه، وهذه قرينة تخرج الأمر عن الوجوب، على ما ذكره طائفة من الأصوليين؛ فإنه لو كان أمره للوجوب لابتدأهم به، ولم يؤخره إلى سؤالهم، مع حاجتهم إلى بيان ما يجب في صلاتهم؛ فإن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، فدل على أنه اكتفى بالسلام عليه عن الصلاة، يدل على ذلك: أن عمر كان يعلم الناس التشهد على المنبر، ولم يذكر فيه الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك روي صفة التشهد عن طائفة من الصحابة، منهم: ابن عمر وعائشة وغيرهما، ولم يذكروا فيه الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -".
وانظر: الرد على الأخنائي (٦٧)، جلاء الأفهام لابن القيم (٣٢٧ - ٣٥٧)، تفسير ابن كثير (٣/ ٥٠٩)، فتح الباري لابن حجر (٨/ ٥٣٤) و (١١/ ١٦٤).
***
[١٨٤ - باب ما يقول بعد التشهد]
٩٨٣ - . . . الأوزاعي: حدثني حسان بن عطية: حدثني محمد بن أبي عائشة؛ أنه سمع أبا هريرة، يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا فرغ أحدُكم من التشهد