سعيد نص في الباب لا يجوز مخالفته؛ إلا بتأويل بعيد، قال ابن قدامة في المغني (٢/ ٨٤): "وحديثهم قضية في عينٍ، يحتمل أن يكون الموضع يضيق عن الصلاة، أو يكون في آخر الخطبة بحيث لو تشاغل بالصلاة فاتته تكبيرة الاحرام، والظاهر أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إنما أمره بالجلوس ليكفَّ أذاه عن الناس لتخطيه إياهم، فإن كان دخوله في آخر الخطبة بحيث إذا تشاغل بالركوع فاته أول الصلاة؛ لم يستحب له التشاغل بالركوع".
وقال ابن حجر في الفتح (٢/ ٤٠٩): "وأما حديث ابن بسر: فهو أيضًا واقعة عين لا عموم فيها، فيحتمل أن يكون ترك أمره بالتحية قبل مشروعيتها، وقد عارض بعضهم في قصة سليك بمثل ذلك، ويحتمل أن يجمع بينهما بأن يكون قوله له: "اجلس"؛ أي: بشرطه، وقد عرف قوله للداخل: "فلا تجلس حتى تصلى ركعتين"، فمعنى قوله: "اجلس"؛ أي: لا تتخط، أو ترك أمره بالتحية لبيان الجواز؛ فإنها ليست واجبة، أو لكون دخوله وقع في أواخر الخطبة، بحيث ضاق الوقت عن التحية، وقد اتفقوا على استثناء هذه الصورة، ويحتمل أن يكون صلى التحية في مؤخَّر المسجد ثم تقدَّم ليقرُب من سماع الخطبة، فوقع منه التخطى فأنكر عليه".
قلت: وكذلك فإن حديث جابر في قصة سليك الغطفاني أخرجاه في الصحيحين، وأما حديث عبد اللَّه بن بسر فلم يخرجاه، ولحديث جابر أسانيد متعددة، فضلًا عن كون قصة سليك قد صحت من أكثر من وجهٍ؛ من حديث جابر، وحديث أبي سعيد، وحديث رجل سمع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فهو حديث مشهور، بينما حديث عبد اللَّه بن بسر لم يحظ بشيء من هذه المرجحات، فضلًا عن كون راويه المتفرد به- وهو: معاوية بن صالح- متكلَّم فيه، ولم يخرج له البخاري شيئًا، وهو حديث جيد؛ بينما حديث جابر في غاية الثبوت كما قال الشافعي.
وانظر: شرح البخاري لابن بطال (٢/ ٥١٤)، الاستذكار (٢/ ٢٤)، عارضة الأحوذي (٢/ ٢٥٢)، البيان (٢/ ٥٩٦)، المغني (٢/ ٨٣)، المجموع (٤/ ٤٧٣)، طرح التثريب (٣/ ١٦٦)، الفتح لابن حجر (٢/ ٤٠٨)، وغيرها.
* * *
٢٣٨ - باب تخطِّي رقاب الناس يوم الجمعة
١١١٨ - . . . معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، قال: كنا مع عبد اللَّه بن بُسر صاحب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يومَ الجمعة، فجاء رجلٌ يتخطَّى رقابَ الناس، فقال عبد اللَّه بن بُسر: جاء رجلٌ يتخطَّى رقاب الناس يوم الجمعة، والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يخطب، فقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اجلِسْ، فقد آذيت".
* حديث جيد
تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (١٠٩١)، الشاهد الرابع، وهو حديث جيد.