وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ مَنْ تَرَكَهُ صَحَّ طَوَافُهُ وَيُعِيدُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ، فَإِنْ خَرَجَ إلَى بَلَدِهِ لَزِمَهُ دَمٌ هَكَذَا نُقِلَ عَنْهُ فِي الطِّرَازِ، فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ جَعَلْتُمْ التَّرْتِيبَ هُنَا وَاجِبًا وَجَعَلْتُمُوهُ فِي الْوُضُوءِ سُنَّةً فَالْجَوَابُ أَنَّهُ هُنَا مَطْلُوبٌ إجْمَاعًا، وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّهُ طَافَ مَنْكُوسًا، أَمَّا الْوُضُوءُ فَقَدْ وَرَدَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ مَا أُبَالِي بِأَيِّ أَعْضَائِي بَدَأْتُ إذَا أَتْمَمْتُ وُضُوئِي هَكَذَا نَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ (تَنْبِيهٌ) : فَلَوْ جَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَلَكِنَّهُ طَافَ مَنْكُوسًا فَرَجَعَ الْقَهْقَرَى مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَى الْيَمَانِي فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَكَلَامُ صَاحِبِ الطِّرَازِ وَغَيْرِهِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ (فَائِدَةٌ) : حِكْمَةُ جَعْلِ الطَّائِفِ الْبَيْتَ عَلَى يَسَارِهِ لِيَكُونَ قَلْبُهُ إلَى جِهَةِ الْبَيْتِ، وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: فَلَوْ جَعَلَهُ عَلَى يَمِينِهِ لَمْ يَصِحَّ، وَلَزِمَتْهُ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّ جَنْبَيْ بَابِ الْبَيْتِ نِسْبَتُهُمَا إلَيْهِ كَنِسْبَةِ يَمِينِ الْإِنْسَانِ وَيَسَارِهِ إلَيْهِ فَالْحَجَرُ مَوْضِعُ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ يُقَابِلُ يَسَارَ الْإِنْسَانِ، وَبَابُ الْبَيْتِ وَجْهُهُ، فَلَوْ جَعَلَ الْبَيْتَ عَلَى يَمِينِهِ لَأَعْرَضَ عَنْ بَابِ الْبَيْتِ الَّذِي هُوَ وَجْهُهُ، وَلَوْ جَعَلَهُ عَلَى يَسَارِهِ أَقْبَلَ عَلَى الْبَابِ، وَلَا يَلِيقُ بِالْآدَابِ الْإِعْرَاضُ عَنْ وُجُوهِ الْأَمَاثِلِ، وَتَعْظِيمُ بَيْتِ اللَّهِ تَعْظِيمٌ لَهُ انْتَهَى.
ص (وَخُرُوجُ كُلِّ الْبَدَنِ عَنْ الشَّاذَرْوَانِ)
ش: الشَّاذَرْوَانُ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، وَهُوَ بِنَاءٌ لَطِيفٌ جِدًّا مُلْصَقٌ بِحَائِطِ الْكَعْبَةِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ، وَقَالَ ابْنُ رُشَيْدٍ فِي رِحْلَتِهِ: الشَّاذَرْوَانُ لَفْظَةٌ عَجَمِيَّةٌ هِيَ فِي لِسَانِ الْفُرْسِ بِكَسْرِ الذَّالِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ مَشَى فِي كُتُبِهِ كُلِّهَا عَلَى أَنَّ الشَّاذَرْوَانَ مِنْ الْبَيْتِ مُعْتَمِدًا فِي ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَابْنُ شَاسٍ، وَمَنْ تَبِعَهُمَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَسُئِلَ عَنْ مَمَرِّ الطَّائِفِ فِي الْحِجْرِ فَقَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ بِطَوَافٍ وَيُلْغِيهِ وَيَبْنِي عَلَى مَا طَافَ، وَهَذَا أَبْيَنُ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ إنَّمَا شُرِعَ بِجَمِيعِ الْبَيْتِ إجْمَاعًا، فَإِذَا سَلَكَ فِي طَوَافِهِ الْحِجْرِ أَوْ عَلَى جِدَارِهِ أَوْ عَلَى شَاذَرْوَانِ الْبَيْتِ لَمْ يُعْتَدَّ بِذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَطُفْ بِجَمِيعِ الْكَعْبَةِ، وَقَدْ حَيَّزَ ذَلِكَ بِالْحَوَاجِزِ لِاسْتِكْمَالِ الطَّوَافِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُجْزِئُهُ انْتَهَى.
وَعِنْدَ ابْنِ شَاسٍ مِنْ شُرُوطِ الطَّوَافِ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ بَدَنِهِ خَارِجًا عَنْ الْبَيْتِ فَلَا يَمْشِي عَلَى شَاذٍّ رُوَاتِهِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ وَابْنُ جُزَيٍّ فِي قَوَانِينِهِ وَابْنُ جَمَاعَةَ التُّونُسِيُّ وَابْن الْحَاجِبِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ هَارُونَ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَابْنُ رَاشِدٍ فِي اللُّبَابِ وَأَظُنُّ أَنَّهُمَا وَافَقَا عَلَى ذَلِكَ فِي شَرْحَيْهِمَا عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَوْ خَالَفَا لَنَقَلَ ذَلِكَ عَنْهُمْ الْمُصَنِّفُ وَابْنُ فَرْحُونٍ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ شَاسٍ وَقَبِلَهُ، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ مَعَ كَثْرَةِ تَعَقُّبِهِ لَهُ فِيمَا لَا يَكُونُ مُوَافِقًا لِنُقُولِ الْمَذْهَبِ بَلْ جَزَمَ فِي فَصْلِ الِاسْتِقْبَالِ بِأَنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْأَبِيُّ وَمِمَّنْ تَبِعَ ابْنَ شَاسٍ ابْنُ مُعَلَّى وَالتَّادَلِيُّ وَغَيْرَهُمَا، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَدْ أَنْكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ كَوْنَ الشَّاذَرْوَانِ مِنْ الْبَيْتِ فَمِنْ الْمَالِكِيَّةِ الْعَلَامَةُ الْخَطِيبُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ رُشَيْدٍ بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا يَاءُ تَصْغِيرٍ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي رِحْلَتِهِ وَبَالَغَ فِي إنْكَارِهِ، وَقَالَ: لَا تُوجَدُ هَذِهِ التَّسْمِيَةُ، وَلَا ذُكِرَ مُسَمَّاهَا فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ، وَلَا سَقِيمٍ، وَلَا عَنْ صَحَابِيٍّ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ فِيمَا عَلِمْتُ، وَلَا لَهَا ذِكْرٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ الْمَالِكِيِّينَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ إلَّا مَا وَقَعَ فِي جَوَاهِرِ ابْنِ شَاسٍ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ مَنْقُولٌ مِنْ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ وَأَقْدَمُ مَنْ ذَكَرَهُ فِيمَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ الْمُزَنِيّ، وَوَقَعَ لَهَا ذِكْرٌ مُقْتَطَفٌ فِي كِتَابِ الصَّرِيحِ مِنْ شَرْحِ الصَّحِيحِ لِلْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِبَيَانِ حُكْمٍ، وَهُوَ أَقْدَمُ مِنْ ابْنِ شَاسٍ قَالَ: شَاهَدْتُ الْكَعْبَةَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ مَكْشُوفَةً فَلَمْ تُسْتَرْ ذَلِكَ الْعَامَ لِأَمْرٍ بَيِّنَاهُ فِي كِتَابِ تَرْتِيبِ الرِّحْلَةِ فَتَأَمَّلْتُهَا مِرَارًا وَقِسْتُ خَارِجَهَا وَالْحِجْرُ الشَّاذَرْوَانُ ثُمَّ قَالَ وَلْنَرْجِعْ إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute