للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَنَقُولُ: انْعَقَدَ إجْمَاعُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَبْلَ طُرُوُّ هَذَا الِاسْمِ الْفَارِسِيِّ عَلَى أَنَّ الْبَيْتِ مُتَمَّمٌ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ مِنْ جِهَةِ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ وَلِذَلِكَ اسْتَلَمَهُمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ الْآخَرَيْنِ، وَعَلَى أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ لَمَّا نَقَضَ الْبَيْتَ وَبَنَاهُ إنَّمَا زَادَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الْحِجْرِ، وَأَنَّهُ أَقَامَهُ عَلَى الْأُسُسِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي عَايَنَهَا الْعُدُولُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَكُبَرَاءِ التَّابِعِينَ

وَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ الْحَجَّاجَ لَمْ يَنْقُضْ إلَّا جِهَةَ الْحِجْرِ خَاصَّةً ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْقَابِسِيِّ وَالْقَاضِي عِيَاضٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَالنَّوَوِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْمَسَالِكِ وَالْمَمَالِكِ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ لَمَّا هَدَمَ الْكَعْبَةَ أَلْصَقَهَا بِالْأَرْضِ مِنْ جَوَانِبِهَا وَظَهَرَتْ أُسُسُهَا وَأَشْهَدَ النَّاسَ عَلَيْهَا وَرَفَعَ الْبِنَاءَ عَلَى ذَلِكَ الْأَسَاسِ ثُمَّ ذُكِرَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ رَبِّهِ فِي كِتَابِهِ الْعَقْدِ وَعَنْ ابْنِ تَيْمِيَّةَ مِنْ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الشَّاذَرْوَانَ إنَّمَا جُعِلَ عِمَادًا لِلْبَيْتِ قَالَ: وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَحْتَاجُ عِنْدِي إلَى نَقْلٍ، وَالْمُتَشَكِّكُ فِيهِ كَمَنْ شَكَّ فِي قَاعِدَةٍ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَ جَمِيعِ الْأُمَّةِ وَمِمَّنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ الْإِمَامُ الْعَلَامَةُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقَبَّابُ فِي شَرْحِ قَوَاعِدِ الْقَاضِي عِيَاضٍ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَنَصَبَ الْمُقَبِّلُ قَامَتَهُ وَتَبِعَ ابْنَ رُشَيْدٍ وَالْقِبَابَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَنَاسِكِهِ وَشَرَحَهُ، قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ ابْنَ شَاسٍ هُوَ الْمَتْبُوعُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ رَشِيدٍ وَزَادَ عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَنَصَبَ الْمُقَبِّلُ قَامَتَهُ شَيْءٌ مِنْ كَلَامِهِمَا وَكَلَامِ ابْنِ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيِّ.

(قُلْتُ:) وَقَوْلُ ابْنُ رَشِيدٍ وَابْنِ فَرْحُونٍ أَنَّ ابْنَ شَاسٍ هُوَ الْمَتْبُوعُ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّهُ أَقْدَمُ مَنْ ذَكَرَهَا مِنْ الْمَالِكِيَّةِ لَيْسَ كَذَلِكَ، كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ، وَهُوَ أَقْدَمُ مِنْ ابْنِ شَاسٍ وَقَوْلُ ابْنِ رَشِيدٍ: إنَّ أَقْدَمَ مَنْ ذَكَرَهَا مِنْ الشَّافِعِيَّةِ الْمُزَنِيّ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ لَوْ طَافَ عَلَى شَاذَرْوَانِ الْكَعْبَةِ أَعَادَ مَعَ أَنَّ ابْنَ جَمَاعَةَ مِمَّنْ رَجَّحَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْبَيْتِ قَالَ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ: الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْبَيْتِ، كَمَا نَقَلَهُ السُّرُوجِيُّ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ مُحَقِّقِي الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ ابْنُ مُسْدِيٍّ فِي مَنْسَكِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الطَّوَافُ عَلَى الشَّاذَرْوَانِ جَائِزٌ، وَالْبَيْتُ هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْبِنَاءِ الْقَائِمِ وَيُرْوَى نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى الِاحْتِيَاطِ أَرْجَحُ انْتَهَى.

(قُلْتُ:) وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ كَثُرَ الِاضْطِرَابُ فِي الشَّاذَرْوَانِ وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمُقْتَدَى بِهِمْ بِأَنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ فَيَجِبُ عَلَى الشَّخْصِ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فِي طَوَافِهِ ابْتِدَاءً، وَأَنَّهُ إنْ طَافَ وَبَعْضُ بَدَنِهِ فِي هَوَائِهِ أَنَّهُ يُعِيدُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ، فَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ ذَلِكَ حَتَّى بَعُدَ عَنْ مَكَّةَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُلْزَمَ بِالرُّجُوعِ لِذَلِكَ مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ: إنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْبَيْتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ) : ذَكَرَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ عَنْ الْأَزْرَقِيِّ أَنَّ عَرْضَ الشَّاذَرْوَانِ ذِرَاعٌ قَالَ: وَقَدْ نَقَصَ عَمَّا ذَكَرَهُ الْأَزْرَقِيُّ فِي الْجِهَاتِ قَالَ: فَتَجِبُ إعَادَتُهُ، وَيَجِبُ أَنْ يَحْتَرِزَ مِنْ ذَلِكَ الزَّائِدِ وَأَلَّفَ فِي ذَلِكَ تَأْلِيفًا سَمَّاهُ اسْتِقْصَاءَ الْبَيَانِ فِي مَسْأَلَةِ الشَّاذَرْوَانِ نَحْوُ نِصْفِ الْكُرَّاسِ هَذَا مُلَخَّصُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَسِتَّةُ أَذْرُعٍ مِنْ الْحِجْرِ)

ش: يَعْنِي أَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الطَّوَافِ أَنْ يَخْرُجَ الطَّائِفُ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ عَنْ مِقْدَارِ سِتَّةِ أَذْرُعٍ مِنْ الْحِجْرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْبَيْتِ، كَمَا وَرَدَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَالْحِجْرُ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَحَكَى بَعْضُهُمْ فَتْحَ الْحَاءِ وَسُمِّيَ حِجْرًا لَاسْتَدَارَتْهُ، وَهُوَ مَحُوطٌ مُدَوَّرٌ عَلَى صُورَةِ نِصْفِ دَائِرَةٍ خَارِجٌ عَنْ جِدَارِ الْكَعْبَةِ فِي جِهَةِ الشَّامِ وَيُقَالُ: لَهُ الْجُدْرُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ مِنْ وَضْعِ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْأَزْرَقِيُّ فِي خَبَرٍ رَوَاهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: وَجَعَلَ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>