للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحِجْرَ إلَى جَانِبِ الْبَيْتِ عَرِيشًا مِنْ أَرَاكٍ تَقْتَحِمُهُ الْعَنْزُ، وَكَانَ زَرْبًا لِغَنَمِ إسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ثُمَّ إنَّ قُرَيْشًا أَدْخَلَتْ فِيهِ أَذْرُعًا مِنْ الْكَعْبَةِ، كَمَا سَيَأْتِي وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: سِتَّةُ أَذْرُعٍ بِإِثْبَاتِ التَّاءِ فِي الْعَدَدِ؛ لِأَنَّ الذِّرَاعَ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ، قَالَ فِي الصِّحَاحِ: ذِرَاعُ الْيَدِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَتَبِعَ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي التَّقْيِيدِ بِسِتَّةِ أَذْرُعٍ اللَّخْمِيُّ، وَإِنْ كَانَ اللَّخْمِيُّ لَمْ يُصَرِّحْ فِي كِتَابِ الْحَجِّ بِسِتَّةِ أَذْرُعٍ إلَّا أَنَّهُ صَرَّحَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ بِأَنَّ الَّذِي مِنْ الْبَيْتِ فِي الْحِجْرِ هُوَ مِقْدَارُ سِتَّةِ أَذْرُعٍ، وَكَلَامُهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ هُوَ الَّذِي يُطْلَبُ الْخُرُوجُ عَنْهُ فِي الطَّوَافِ وَنَصُّهُ: لَا يُطَافُ فِي الْحِجْرِ، وَإِنْ طَافَ فِيهِ لَمْ يُجْزِهِ، فَإِنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنْهُ يَلِي الْبَيْتَ، وَهُوَ مِنْ الْبَيْتِ فَكَأَنَّمَا طَافَ بِبَعْضِ الْبَيْتِ، وَلَوْ تَسَوَّرَ مِنْ الطَّرَفِ لَأَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْبَيْتِ، وَلَيْسَ بِحَسَنٍ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ انْتَهَى.

، وَقَدْ أَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا، وَفِي التَّوْضِيحِ وَالْمَنَاسِكِ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ قَوْلَهُ: وَلَيْسَ بِحَسَنٍ أَنْ يَفْعَلَ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ مُتَعَيَّنٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ بَأْسٌ وَكَلَامُ اللَّخْمِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ بِحَسَنٍ، وَغَيْرُ الْحَسَنِ مَكْرُوهٌ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى.

(قُلْتُ:) وَكَلَامُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الطَّوَافُ إلَّا مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ جَمِيعِهِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَلَا يُعْتَدُّ بِمَا طَافَ فِي دَاخِلِ الْحِجْرِ وَيَبْنِي عَلَى مَا طَافَ خَارِجًا مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَذَّكَّرْ حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ فَلْيَرْجِعْ، وَهُوَ كَمَنْ لَمْ يَطُفْ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: لِأَنَّ الطَّوَافَ إنَّمَا شُرِعَ بِجَمِيعِ الْبَيْتِ إجْمَاعًا، فَإِذَا سَلَكَ فِي طَوَافِهِ الْحِجْرَ أَوْ عَلَى جِدَارِهِ أَوْ عَلَى شَاذَرْوَانِ الْبَيْتِ لَمْ يُعْتَدَّ بِذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ انْتَهَى.

فَصَرَّحَ بِأَنَّهُ إذَا طَافَ عَلَى جِدَارِ الْحِجْرِ أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ الشَّاذَرْوَانِ، وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمَعُونَةِ، وَلَا يُجْزِئُ الطَّوَافُ دَاخِلَ الْحِجْرِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ لِقَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحِجْرُ مِنْ الْبَيْتِ» ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَطُوفَ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: ٢٩] وَذَلِكَ: يَقْتَضِي اسْتِيفَاءَ جَمِيعِهِ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَافَ خَارِجَ الْحِجْرِ، وَقَالَ: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَاعْتِبَارًا بِالطَّوَافِ دَاخِلَ الْبَيْتِ انْتَهَى.

وَقَالَ فِي التَّلْقِينِ: ثُمَّ يَطُوفُ خَارِجَ الْحِجْرِ، وَقَالَ ابْنُ عَسْكَرٍ فِي عُمْدَتِهِ لَمَّا ذَكَرَ شُرُوطَ الطَّوَافِ وَأَنْ يَطُوفَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ، وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَلَا يُجْزِئُ الطَّوَافُ فِي الْحِجْرِ فَمَنْ طَافَ فِيهِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ طَافَ بِبَعْضِ الْبَيْتِ، وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: الْوَاجِبُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ خَارِجًا عَنْ الْبَيْتِ فَلَا يَمْشِي عَلَى شَاذَرْوَانِهِ، وَلَا فِي دَاخِلِ الْحِجْرِ، فَإِنَّ بَعْضَهُ مِنْ الْبَيْتِ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ لَمَّا ذَكَرَ وَاجِبَاتِ الطَّوَافِ: الثَّالِثُ: أَنْ يَطُوفَ خَارِجَهُ لَا فِي مِحْوَطِ الْحِجْرِ، وَلَا شَاذَرْوَانِهِ، وَقَالَ ابْنُ جُزَيٍّ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ خَارِجًا عَنْ الْبَيْتِ فَلَا يَمْشِي عَلَى الشَّاذَرْوَانِ، وَلَا عَلَى الْحِجْرِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ بِتَمَامِهِ، وَعَزَاهُ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَيُشْبِهُ أَنَّهُ جَعَلَهُ تَقْيِيدًا، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي شُرُوطِ الطَّوَافِ: وَكَوْنُهُ خَارِجَ الْبَيْتِ فَلَا يُجْزِئُ دَاخِلَ الْحِجْرِ ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ مَنْ ابْتَدَأَ مِنْ غَيْرِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ بِتَمَامِهِ، وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَى أَنَّهُ تَقْيِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ، وَلَا خِلَافَ، وَقَالَ ابْنُ مُسْدِيٍّ فِي مَنْسَكِهِ، أَمَّا قَوْلُنَا: وَيَطُوفُ مِنْ وَرَاءِ حِجْرِ إسْمَاعِيلَ فَهُوَ الْإِجْمَاعُ ثُمَّ اخْتَلَفُوا، فَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَطُوفُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ اسْتِحْبَابًا، وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ بِالْوُجُوبِ اسْتِبْرَاءً؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْحِجْرِ مِنْ الْبَيْتِ مُقَدَّرٌ غَيْرُ مَعْلُومِ الْعَيْنِ ثُمَّ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ طَافَ بِبِنَاءِ الْبَيْتِ الظَّاهِرِ، وَلَمْ يَدْخُلْ الْحِجْرَ فِي طَوَافِهِ أَنَّهُ يُعِيدُ الطَّوَافَ مَا دَامَ بِمَكَّةَ ثُمَّ اخْتَلَفُوا، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَنْ تَبِعَهُ: يُعِيدُ اسْتِحْبَابًا، وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: يُعِيدُ وُجُوبًا؛ لِأَنَّهُ كَمَنْ لَمْ يَطُفْ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى انْصَرَفَ إلَى بِلَادِهِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ كَمَنْ لَمْ يَطُفْ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>