للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ فَيُنْتَقَضُ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الْقَرَوِيِّينَ اخْتَلَفُوا فِي مَحَلِّ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ فِي الْمُدَوَّنَةِ هَلْ هُوَ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ وَالطُّولِ أَوْ عِنْدَ عَدَمِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؟ وَلْنَذْكُرْ لَفْظَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِيَتَبَيَّنَ لَكَ الْفَهْمَانِ قَالَ فِيهَا وَمَنْ اشْتَرَى إبْرِيقَ فِضَّةٍ بِدِينَارٍ أَوْ دَرَاهِمَ فَاسْتُحِقَّتْ الدَّنَانِيرُ أَوْ الدَّرَاهِمُ اُنْتُقِضَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ وَمَنْ صَرَفَ دَنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ فَاسْتُحِقَّتْ الدَّرَاهِمُ اُنْتُقِضَ الصَّرْفُ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُنْتَقَضُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الدَّرَاهِمُ مُعَيَّنَةً يُرِيهِ إيَّاهَا وَأَمَّا إنْ بَاعَهُ مِنْ دَرَاهِمَ عِنْدَهُ أَوْ مِنْ كِيسِهِ أَوْ مِنْ تَابُوتِهِ فَعَلَيْهِ مِثْلُهَا مَكَانَهُ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَوْ أَنَّهُ إذَا اُسْتُحِقَّتْ سَاعَةَ صَارَحَهُ، قَالَ: خُذْ مِثْلَهَا مَكَانَهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ جَازَ وَلَوْ طَالَ أَوْ تَفَرَّقَا لَمْ يَجُزْ فَقَوْلُهُ: فِي قَوْلِ أَشْهَبَ مَكَانَهُ لَمْ يَفْتَرِقَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يُخَالِفُ مَا إذَا كَانَ بِالْحَضْرَةِ وَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ: فَيُنْتَقَضُ الصَّرْفُ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِالْحَضْرَةِ.

(تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَيَّدَ ابْنُ يُونُسَ قَوْلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ " أَنَّهَا إذَا اُسْتُحِقَّتْ "، وَقَالَ سَاعَةَ صَارَحَهُ خُذْ مِثْلَهَا جَازَ إذَا تَرَاضَيَا، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَغَمَزَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ مِنْ اشْتِرَاطِ التَّرَاضِي قَالَ: لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُرَادُهُ أَنَّ الْخَلْفَ إنَّمَا يَجُوزُ بِالتَّرَاضِي لَمْ يَكُنْ لِتَقْيِيدِ هَذَا الْجَوَابِ بِقَوْلِهِ: لَمْ يَفْتَرِقَا مَعْنًى؛ لِأَنَّهُمَا إذَا افْتَرَقَا وَتَرَاضَيَا عَلَى خَلْفِ الدَّرَاهِمِ الْمُسْتَحَقَّةِ صَارَ ذَلِكَ مُسْتَأْنَفًا لَا يَمْنَعُ مِنْهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَقْدٍ بَطَلَ بِاسْتِحْقَاقِ الدَّرَاهِمِ الْمَازِرِيُّ وَهَذَا قَدْ يُعْتَذَرُ عَنْهُ بِأَنَّهُ قُيِّدَ بِقَوْلِهِ: مَا لَمْ يَفْتَرِقَا؛ لِأَنَّهُمَا إذَا افْتَرَقَا وَتَرَاضَيَا بِبَدَلِ الدَّرَاهِمِ الْمُسْتَحَقَّةِ صَارَ ذَلِكَ تَتِمَّةَ الْعَقْدِ الْمُتَقَدِّمِ الَّذِي كَشَفَ الْغَيْبُ أَنَّهُمَا لَمْ يَتَنَاجَزَا فِيهِ، وَقَدْ تَتَطَرَّقُ التُّهْمَةُ بِكَوْنِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا قَصَدَ إلَى ذَلِكَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ.

(التَّنْبِيهُ الثَّانِي) مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ أَوْ التَّعْيِينُ ثَابِتٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الَّتِي رَأَيْتُهَا وَكَذَا ثَبَتَ فِي نُسْخَةِ ابْنِ رَاشِدٍ وَسَقَطَ مِنْ نُسْخَةِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْإِثْبَاتُ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ الْمَازِرِيِّ وَابْنِ شَاسٍ فَإِنَّهُمَا أَشَارَا إلَى أَنَّهُ إنْ حَصَلَ التَّعْيِينُ يُنْتَقَضُ الصَّرْفُ، وَلَوْ مَعَ الْحَضْرَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّهُمَا نَصَّا عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِي تَعْيِينِ الدَّرَاهِمِ بِالتَّعْيِينِ، وَقَدْ صَرَّحَ اللَّخْمِيُّ بِذَلِكَ أَعْنِي بِالنَّقْضِ إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ مُعَيَّنَةً سَوَاءٌ اُسْتُحِقَّتْ بِالْحَضْرَةِ أَمْ لَا لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يُجِيزُ الْبَدَلَ فِي الدَّرَاهِمِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ مُعَيَّنَةً أَمْ لَا، وَإِنَّمَا يَأْتِي الْإِثْبَاتُ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ فَتَأَمَّلْهُ اهـ كَلَامُ التَّوْضِيحِ فَانْظُرْ هَذَا الِاضْطِرَابَ الَّذِي فِي هَذِهِ النُّقُولِ، بَلْ كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ نَفْسُهُ ظَاهِرُ التَّنَاقُضِ، كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ إنْ كَانَ الصَّرْفُ دَنَانِيرَ بِأَعْيَانِهَا بِدَرَاهِمَ بِأَعْيَانِهَا فَاسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا انْفَسَخَ الصَّرْفُ وَسَوَاءٌ كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ أَوْ بَعْدَهُ، وَإِنْ دَعَا مَنْ اُسْتُحِقَّ ذَلِكَ مِنْ يَدِهِ إلَى خَلْفِهِ لَمْ يُجْبَرْ الْآخَرُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ رَضِيَ بَائِعُ الْمُسْتَحَقِّ بِخَلْفِهِ لَمْ يُجْبَرْ الْآخَرُ عَلَى قَبُولِهِ، وَإِنْ رَضِيَا جَمِيعًا هَذَا بِخَلْفِهِ وَقِبَلَ الْآخَرُ جَازَ ذَلِكَ وَسَوَاءٌ كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ الصَّرْفُ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَالِاسْتِحْقَاقُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَالْمِثْلُ حَاضِرٌ مَعَ بَائِعِ الْمُسْتَحَقِّ أُجْبِرَ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ مِثْلَ مَا اسْتَحَقَّ، وَإِنْ اسْتَحَقَّ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ انْفَسَخَ الصَّرْفُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى مِثْلِ الْمُسْتَحَقِّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَفَعَ الْآنَ مَا كَانَ حَقُّهُ أَنْ يُدْفَعَ يَوْمَ كَانَ الصَّرْفُ فَذَلِكَ فَاسِدٌ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ أَجَازَ الْبَدَلَ اهـ.

وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمَازِرِيِّ نَحْوَهُ، وَمِثْلُهُ طَرِيقَةُ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى النُّسْخَةِ الَّتِي شَرَحَهَا الْمُصَنِّفُ.

وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ إنْ كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ بَعْدَ الطُّولِ أَوْ الِافْتِرَاقِ فَالصَّرْفُ مُنْتَقَضٌ وَلَا يَلْزَمُ الْبَدَلُ، بَلْ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَالطُّولِ فَإِنْ وَقَعَ عَلَى دَرَاهِمَ مُعَيَّنَةٍ فَالْمَذْهَبُ عَلَى قَوْلَيْنِ قَائِمَيْنِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَحَدُهُمَا الصَّرْفُ مُنْتَقَضٌ وَالْبَدَلُ جَائِزٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالثَّانِي الصَّرْفُ وَالْبَدَلُ لَازِمٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>