للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَوَسَخُ الْأَظْفَارِ إنْ تَرَكْتَهُ ... فَمَا عَلَيْكَ حَرَجٌ أَوْ زِلْتَهُ.

(فَرْعٌ) قَدْ يَتَرَبَّى عَلَى الشَّعْرِ الَّذِي فِي الْإِبْطِ وَفِي رَأْسِ الْفَخْذَيْنِ شَيْءٌ مِنْ الْوَسَخِ وَلَا سِيَّمَا فِي الْبِلَادِ الْحَارَّةِ فِي أَيَّامِ الصَّيْفِ، وَيَلْتَصِقُ بِالشَّعْرِ بِحَيْثُ لَا يَزُولُ إلَّا بِالْحَكِّ وَيَكْثُرُ ذَلِكَ وَيَشُقُّ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِمَّا يُعْفَى عَنْهُ لِلْمَشَقَّةِ إذَا لَمْ يُتْرَكْ الشَّعْرُ مُدَّةً طَوِيلَةً تَزِيدُ عَلَى الْمُدَّةِ الْمَشْرُوعَةِ وَفِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ) وَأَمَّا مَا يُجْعَلُ فِي الرَّأْسِ مِنْ حِنَّاءَ أَوْ غَيْرِهِ، وَمَا يَكْثُرُ بِهِ الشَّعْرُ مِنْ صُوفٍ وَنَحْوِهِ فَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْكَلَامِ عَلَى مَسْحِ الرَّأْسِ، وَكَذَا الْكَلَامُ عَلَى التَّلْبِيدِ وَقَدْ أَطَلْتُ الْكَلَامُ هُنَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْفُرُوعَ يُحْتَاجُ إلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَمَسْحُ مَا عَلَى الْجُمْجُمَةِ)

ش: هَذِهِ الْفَرِيضَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ الْفَرَائِضِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا وَهِيَ مَسْحُ الرَّأْسِ وَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ مَسْحَ جَمِيعِهِ وَاجِبٌ فَإِنْ تُرِكَ بَعْضُهُ لَمْ يُجْزِهِ وَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ: يُجْزِئُ الثُّلُثَانِ وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ الثُّلُثُ وَقَالَ أَشْهَبُ: تُجْزِئُ النَّاصِيَةُ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إنْ لَمْ يَعُمَّ رَأْسَهُ أَجْزَأَهُ وَأَطْلَقَ وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَهُ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَكَيْفَمَا مَسَحَ أَجْزَأَهُ إذَا أَوْعَبَ رَأْسَهُ. ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهُ إنْ تَرَكَ بَعْضَهُ وَإِنْ قَلَّ لَا يُجْزِئُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ بَقِيَّةَ الْأَقْوَالِ وَيَصِحُّ فِي عَلَى مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّف: مَا عَلَى الْجُمْجُمَةَ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا مَاضِيًا مِنْ الْعُلُوِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ} [القصص: ٤] وَعَلَى هَذَا فَالْجُمْجُمَةُ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ، وَلَا يَصِحُّ هُنَا أَنْ تَكُونَ اسْمًا لِعَدَمِ دُخُولِ مِنْ عَلَيْهَا وَأَنْ تَكُونَ حَرْفَ جَرٍّ وَالْجُمْجُمَةُ مَجْرُورَةً بِهَا، وَالْجُمْجُمَةُ هِيَ عَظْمُ الرَّأْسِ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الدِّمَاغِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ مَسْحُ مَا عَلَى الْجُمْجُمَةِ فَائِدَتَيْنِ الْأُولَى: أَنَّ الْفَرْضَ مَسْحُ مَا كَانَ فَوْقَ الْجُمْجُمَةِ مِنْ الشَّعْرِ إنْ كَانَ ثَمَّ شَعْرٌ أَوْ الْجِلْدِ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ شَعْرٌ، فَالشَّعْرُ هُوَ الْأَصْلُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ بِخِلَافِ غَسْلِ الْوَجْهِ فَإِنَّهُ فِيهِ.

(فَرْعٌ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: ٦] إنْ رَاعَيْنَا الِاشْتِقَاقَ مِنْ الرَّأْسِ وَهُوَ مَا عَلَا فَيَتَنَاوَلُ اللَّفْظُ الشَّعْرَ لِعُلُوِّهِ وَالْبَشَرَةَ عِنْدَ عَدَمِهِ لِعُلُوِّهِ مِنْ غَيْرِ تَوَسُّعٍ وَلَا رُخْصَةٍ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الرَّأْسَ هُوَ الْعُضْوُ فَثَمَّ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ امْسَحُوا شَعْرَ رُءُوسِكُمْ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَسْحُ الْبَشَرَةِ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ النَّصُّ فَيَكُونُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا فِي عَدَمِ الشَّعْرِ بِالْإِجْمَاعِ لَا بِالنَّصِّ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ يَكُونُ الشَّعْرُ أَصْلًا فِي الرَّأْسِ فَرْعًا فِي اللِّحْيَةِ وَالْأَصْلُ الْوَجْهُ.

وَالثَّانِيَةُ أَنَّ مُنْتَهَى الرَّأْسِ آخِرُ الْجُمْجُمَةِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ سَنَدٌ: وَأَمَّا آخِرُهُ فَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ مُنْتَهَى الْجُمْجُمَةِ حَيْثُ يَتَّصِلُ عَظْمُ الرَّأْسِ بِفَقَارِ الْعُنُقِ وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: إلَى آخِرِ مَنْبَتِ الشَّعْرِ وَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ مُبَايِنٌ لِلرَّأْسِ وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُوضِحَةٌ كَمَا فِي الرَّأْسِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِلَّخْمِيِّ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فَقَالَ: وَمَبْدَؤُهُ مِنْ مَبْدَأ الْوَجْهِ وَآخِرُهُ مَا تَحُوزُهُ الْجُمْجُمَةُ وَقِيلَ: مَنَابِتُ شَعْرِ الْقَفَا الْمُعْتَادِ، وَقَبِلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ مِنْ شُرَّاحِهِ كَابْنِ هَارُونَ وَابْنِ رَاشِدٍ وَالْأَبِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَعَزَوْا الشَّاذَّ لِابْنِ شَعْبَانَ، وَنَحْوُهُ لِلْقَرَافِيِّ وَالْفَاكِهَانِيِّ وَابْنِ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَصَرَّحَ بِأَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ وَعَلَى ذَلِكَ شَيْءٌ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَوَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي صِفَةِ الْمَسْح: يَبْدَأُ بِيَدَيْهِ مِنْ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ حَتَّى يَذْهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ. فَفَهِمَ ابْنُ عَرَفَةَ أَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ كَقَوْلِ ابْنِ شَعْبَانَ فَقَالَ فِي حَدِّ الرَّأْسِ: وَهُوَ مِنْ مُلَاصِقِ الْوَجْهِ، وَآخِرُهُ فِيهَا، وَفِي سَمَاعِ مُوسَى رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ حَتَّى آخِرَ شَعْرِ الْقَفَا وَعَزَاهُ اللَّخْمِيُّ لِابْنِ شَعْبَانَ وَجَعَلَ الْمَذْهَبَ حَتَّى آخِرَ الْجُمْجُمَةِ انْتَهَى. وَنَصُّ مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي سَمَاعِ مُوسَى قَالَ مَالِكٌ: يَمْسَحُ رَأْسَهُ فَيَمُرُّ بِيَدَيْهِ مِنْ مُقَدَّمِهِ إلَى قَفَاهُ.

(قُلْتُ) وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ فِي التَّلْقِينِ: وَأَمَّا الرَّأْسُ فَهُوَ مَا صَعِدَ عَنْ الْجَبْهَةِ إلَى آخِرِ الْقَفَا طُولًا وَإِلَى الْأُذُنَيْنِ عَرْضًا، وَكَذَا فِي عِبَارَةِ غَيْرِهِ لَكِنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ كُلَّهُمْ عَلَى نَحْوِ مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي عِبَارَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>