للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَمَا بَقِيَ فِي الْمَجْلِسِ إلَّا مَنْ اسْتَحْسَنَ ذَلِكَ وَبَلَغَ ذَلِكَ الْقَرَافِيَّ فَاسْتَحْسَنَهُ وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مَا فِي ظَهْرِ الْقَدَمِ لَقَالَ إلَى الْكِعَابِ كَمَا قَالَ إلَى الْمَرَافِقِ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ رِجْلٍ حِينَئِذٍ كَعْبَيْنِ كَمَا أَنَّ لِكُلِّ يَدٍ مِرْفَقًا فَيُقَابَلُ الْجَمْعُ بِالْجَمْعِ، فَلَمَّا عَدَلَ عَنْهُ إلَى التَّثْنِيَةِ حُمِلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْكَعْبَانِ اللَّذَانِ فِي طَرَفِ السَّاقِ فَيَصِيرُ الْمَعْنَى اغْسِلُوا كُلَّ رِجْلٍ إلَى سَاقِهَا.

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ شَاسٍ وَابْنِ بَشِيرٍ وَالْبَاجِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الَّذِينَ يَحْكُونَ الْخِلَافَ فِي الْكَعْبَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ فِي مُنْتَهَى الْغَسْلِ وَأَنَّ فِي الْمَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ: يَنْتَهِي الْغَسْلُ إلَى الْكَعْبِ الَّذِي عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ، وَهَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فِي الْمَذْهَبِ وَلَا خَارِجِهِ وَنَقَلَ ابْنُ الْفَرَسِ أَنَّ الْكَعْبَيْنِ اللَّذَيْنِ إلَيْهِمَا انْتَهَى حَدُّ الْوُضُوءِ هُمَا النَّاتِئَانِ فِي السَّاقَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ، وَنَقَلَ الزَّنَاتِيُّ أَيْضًا اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُمَا اللَّذَانِ فِي جَنْبَيْ السَّاقَيْنِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِ الْخِلَافِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ رَاجِعٌ إلَى اللُّغَةِ وَكَذَا قَالَ الزَّنَاتِيُّ فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ غَسْلِ الْكَعْبِ النَّاتِئِ عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ وَمَا فَوْقَهُ إلَى الْكَعْبَيْنِ عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ الْفَرَسِ وَالزَّنَاتِيُّ مِنْ الْإِجْمَاعِ، وَكَلَامُ مَنْ تَقَدَّمَ يُؤْذِنُ بِالْخِلَافِ فِيهِ انْتَهَى.

وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَقَالَ: تَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ حَسَنٌ وَقَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ: وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمَا اللَّذَانِ عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ فَلَا خِلَافَ فِي دُخُولِهِمَا فِي الْغَسْلِ انْتَهَى.

(الثَّانِي) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ أَوْرَدَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ عَدَّ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ فِي الْفَرَائِضِ مَعَ أَنَّ غَسْلَهُمَا عَلَى التَّعْيِينِ لَيْسَ بِفَرْضٍ لِجَوَازِ تَرْكِهِ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: الْوَاجِبُ أَحَدُ أَمْرَيْنِ إمَّا الْغَسْلُ أَوْ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ.

(قُلْتُ) وَهَذَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ مَسْحَ الْخُفَّيْنِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَإِنَّمَا هُوَ رُخْصَةٌ، وَالْوَاجِبُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ص (وَنُدِبَ تَخْلِيلُ أَصَابِعِهِمَا)

ش: يَعْنِي أَنَّ تَخْلِيلَ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ مُسْتَحَبٌّ وَهَذَا الْقَوْلُ عَزَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ لِابْنِ شَعْبَانَ وَقَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ وَالْوَسَطِ: أَنَّهُ الْمَشْهُورُ قَالَ: وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَالتَّخْلِيلُ أَطْيَبُ لِلنَّفْسِ وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: أَنَّهُ الْمَشْهُورُ وَعَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِابْنِ حَبِيبٍ قَالَ وَلِلْبَاجِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ كَابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ: وَفِي أَوَّلِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلُهُ وَفِي أَثْنَائِهِ إنْكَارُهُ.

(قُلْتُ) يُشِيرُ بِالْأَوَّلِ لِقَوْلِهِ فِي رَسْمِ اغْتَسَلَ وَنَصُّهُ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يُخَلِّلْ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ قَالَ: يُجْزِئُ عَنْهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: ظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَنَّ تَخْلِيلَهُمَا حَسَنٌ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّهُ مُرَغَّبٌ فِيهِ وَفِي رَسْمِ نَذْرِ سَنَةٍ بَعْدَ هَذَا أَنَّهُ لَا يُخَلِّلُ وَنَحْوَهُ.

رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ قَالَ: وَلَا خَيْرَ فِي الْجَفَاءِ وَالْغُلُوِّ انْتَهَى. وَنَصُّ مَا فِي رَسْمِ نَذْرِ سَنَةٍ قَالَ فِي اللِّحْيَةِ: يُحَرِّكُ ظَاهِرَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُدْخِلَ يَدَهُ فِيهَا وَهُوَ مِثْلُ أَصَابِعِ الرِّجْلِ وَالْيَدُ لَا تُخَلَّلُ، وَهَذَا هُوَ الثَّانِي وَهُوَ الْقَوْلُ بِالْإِنْكَارِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ: وَفِي أَثْنَائِهِ إنْكَارُهُ. عَزَا فِي التَّوْضِيحِ الْقَوْلَ بِالْإِنْكَارِ لِرِوَايَةِ أَشْهَبَ فَقَطْ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقِيلَ بِوُجُوبِ التَّخْلِيلِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: رَجَّحَ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ بَزِيزَةَ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْوُجُوبَ فِي تَخْلِيلِ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُخَلِّلُ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ بِخِنْصَرِهِ» وَذَكَرَ ابْنُ وَهْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ مَالِكًا يُنْكِرُ التَّخْلِيلَ قَالَ: فَأَخْبَرْتُهُ بِالْحَدِيثِ فَرَجَعَ إلَيْهِ انْتَهَى. يَعْنِي الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا تَوَضَّأْتَ فَخَلِّلْ بَيْنَ أَصَابِعِ يَدَيْكَ وَرِجْلَيْكَ» وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَإِنَّمَا أَتَى فِي أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ قَوْلٌ بِالْإِنْكَارِ وَلَمْ يَأْتِ فِي الْيَدَيْنِ لِالْتِصَاقِ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>