للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سُنَّةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِهِمَا وَأَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِالذِّكْرِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ كَلَامَ الْقَاضِي عِيَاضٍ: ظَاهِرُ اقْتِصَارِ الرِّسَالَةِ وَالتَّلْقِينِ وَالْجَلَّابِ وَالصَّقَلِّيِّ وَالْمَازِرِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ عَلَى الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ أَنَّهُمَا - يَعْنِي الِاسْتِنْشَاقَ وَالِاسْتِنْثَارَ - سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَظَاهِرُ قَوْلِ الْكَافِي الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَالِاسْتِنْثَارُ وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ سُنَّةٌ أَنَّهُمَا سُنَّتَانِ وَهُوَ نَصُّ الْمُقَدِّمَاتِ، وَقَوْلُ أَوَّلِ الرِّسَالَةِ مِنْ سُنَنِهِ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْثَارُ ظَاهِرٌ فِي الثَّانِي، وَقَوْلُهُ آخِرَهَا كَالتَّلْقِينِ ظَاهِرٌ فِي الْأَوَّلِ انْتَهَى. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ص (وَمَسْحُ وَجْهَيْ كُلِّ أُذُنٍ)

ش: يَعْنِي أَنَّ مَسْحَ وَجْهَيْ الْأُذُنَيْنِ أَيْ ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا سُنَّةٌ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، قَالَ: وَذَهَبَ ابْنُ مَسْلَمَةَ وَالْأَبْهَرِيُّ إلَى أَنَّ مَسْحَهُمَا فَرْضٌ وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: دَاخِلُهُمَا سُنَّةٌ وَفِي ظَاهِرِهِمَا اخْتِلَافٌ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَنَقْلُ ابْنِ رُشْدٍ فِيهِ الِاسْتِحْبَابَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلنَّدْبِ أَوَّلًا فَيَكُونُ ثَالِثًا. قَالَ اللَّخْمِيُّ: الصِّمَاخَانِ سُنَّةٌ اتِّفَاقًا وَفِي فَرْضِ ظَاهِرِ إشْرَافِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا قَوْلَا ابْنِ مَسْلَمَةَ مَعَ قَوْلِهَا الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ وَابْنِ حَبِيبٍ انْتَهَى. وَعَلَى مَا ذَكَرَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فَاخْتُلِفَ فِي الظَّاهِرِ فَقِيلَ: مَا يَلِي الرَّأْسَ، وَقِيلَ: مَا يُوَاجَهُ بِهِ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ النَّظَرُ إلَى الْحَالِ وَإِلَى أَصْلِ الْخِلْقَةِ فَإِنَّ أَصْلَ الْأُذُنِ فِي الْخِلْقَةِ كَالْوَرْدَةِ ثُمَّ تَنْفَتِحُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا يَحْسُنُ النَّظَرُ فِيهِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَسْحَ ظَاهِرِهِمَا مُخَالِفٌ لِمَسْحِ بَاطِنِهِمَا، وَأَمَّا عَلَى الْمَشْهُورِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى النَّظَرِ فِيهِ انْتَهَى.

(قُلْتُ) لَكِنْ يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْبَاجِيِّ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِأَنَّ ظَاهِرَهُمَا مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: الرَّابِعَةُ: أَنْ يَمْسَحَ أُذُنَيْهِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ، ظَاهِرَهُمَا بِإِبْهَامَيْهِ، وَبَاطِنَهُمَا بِأُصْبُعَيْهِ وَيَجْعَلُهُمَا فِي صِمَاخَيْهِ، وَقَالَ بَعْدَهُ أَيْضًا: وَظَاهِرُهَا مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ وَقِيلَ: مَا يُوَاجِهُ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَوْلُهُ: بِأُصْبُعَيْهِ أَيْ بِسَبَّابَتَيْهِ، وَقَوْلُهُ: وَيَجْعَلُهُمَا فِي صِمَاخَيْهِ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ لِئَلَّا يُظَنَّ سُقُوطُ الْمَسْحِ عَنْهُمَا. ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا يَتَتَبَّعُ غُضُونَهُمَا أَيْ كَالْخُفَّيْنِ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْقُرْطُبِيَّةِ وَكَرِهَ ابْنُ حَبِيبٍ تَتَبُّعَ غُضُونِهِمَا انْتَهَى. وَقَالَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُكْرَهُ تَتَبُّعُ غُضُونِهِمَا؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الشَّارِعِ بِالْمَسْحِ التَّخْفِيفُ وَالتَّتَبُّعُ يُنَافِيهِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِ الْجِهَتَيْنِ مِنْ الظَّاهِرِ أَوْ الْبَاطِنِ يَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِيهِمَا انْتَهَى. يَعْنِي الْخِلَافَ فِي فَرْضِ ذَلِكَ وَسُنَنِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَكَيْفِيَّةُ مَسْحِهِمَا مُطْلَقٌ فِي الرِّوَايَاتِ وَفِي الْمُوَطَّإِ كَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - يَأْخُذُ الْمَاءَ بِأُصْبُعَيْهِ لِأُذُنَيْهِ فَقَالَ عِيسَى: يَقْبِضُ أَصَابِعَ يَدَيْهِ سِوَى سَبَّابَتَيْهِ يُمِرُّهُمَا ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا دَاخِلَهُمَا وَخَارِجَهُمَا. الْبَاجِيُّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَأْخُذُ الْمَاءَ بِأُصْبُعَيْهِ مِنْ كُلِّ يَدٍ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «بَاطِنُهُمَا بِالسَّبَّابَةِ وَظَاهِرُهُمَا بِالْإِبْهَامِ» .

(قُلْتُ) نَقْلُ الشَّيْخِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ يَأْخُذُ الْمَاءَ بِأُصْبُعَيْهِ يَمْسَحُهُمَا مِنْ ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا. يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ. وَفِي الرِّسَالَةِ: يُفْرِغُ الْمَاءَ عَلَى سَبَّابَتَيْهِ وَإِبْهَامَيْهِ وَإِنْ شَاءَ غَمَسَهُمَا فِي الْمَاءِ ثُمَّ يَمْسَحُ أُذُنَيْهِ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا انْتَهَى.

ص (وَتَجْدِيدُ مَائِهِمَا)

ش: يَعْنِي أَنَّ السُّنَّةَ السَّادِسَةَ تَجْدِيدُ الْمَاءِ لِمَسْحِ الْأُذُنَيْنِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْمَشْهُورُ لَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ الْمَاءِ ابْنُ حَبِيبٍ وَإِنْ لَمْ يُجَدِّدْ فَهُوَ كَمَنْ تَرَكَ مَسْحَهُمَا، وَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ: هُوَ مُخَيَّرٌ فِي التَّجْدِيدِ وَعَدَمِهِ، وَكَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ يَحْتَمِلُ أَنَّ التَّجْدِيدَ مَعَ الْمَسْحِ سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَكْثَرُ الشُّيُوخِ وَجَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ التَّجْدِيدَ سُنَّةً مُسْتَقِلَّةً وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَسْحُ هُوَ السُّنَّةُ وَالتَّجْدِيدُ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُخْتَصَرِ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ.

(تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَوْلُهُ: جَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ التَّجْدِيدَ سُنَّةً مُسْتَقِلَّةً يَقْتَضِي أَنَّهُ جَعَلَ كُلًّا مِنْ التَّجْدِيدِ وَالْمَسْحِ سُنَّةً، وَكَلَامُهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ يَقْتَضِي أَنَّ مَسْحَ الْأُذُنَيْنِ عِنْدَ مَالِكٍ فَرْضٌ وَأَنَّ السُّنَّةَ فِي التَّجْدِيدِ، وَنَصُّهُ سُنَنُ الْوُضُوءِ اثْنَتَا عَشْرَ مِنْهَا أَرْبَعٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا فِي الْمَذْهَبِ وَهِيَ الْمَضْمَضَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>