للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِاقْتِدَاءِ فَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ شُيُوخِ شُيُوخِهِ: يَكْفِي فِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ الْتِزَامًا، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ قِيلَ مَا يَنْتَظِرُ بِالتَّكْبِيرِ أَوْ بِالرُّكُوعِ أَوْ الْإِحْرَامِ لَقَالَ أَنْتَظِرُ الْإِمَامَ وَاَلَّذِي قَالَهُ وَاضِحٌ وَكَلَامُ الْمَازِرِيِّ نَصٌّ أَوْ كَالنَّصِّ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: إذَا قَارَنَتْ الْأَفْعَالُ الْأَفْعَالَ بِقَصْدٍ لِذَلِكَ وَتَعَمُّدٍ لَهُ فَهَذَا مَعْنَى النِّيَّةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ افْتِتَاحٍ بِهَا لِئَلَّا يَمْضِيَ جُزْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ لَمْ يَقْصِدْ فِيهِ الْمُتَابَعَةَ، وَلَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ فِي مُعَارَضَةِ ذَلِكَ: إنَّ النِّيَّةَ مِنْ بَابِ الْقَصْدِ وَالْإِرَادَةِ لَا مِنْ بَابِ الشُّعُورِ وَالْإِدْرَاكَاتِ

وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ لَا مُعَارَضَةَ فِيهِ بِوَجْهٍ؛ لِأَنَّ مَنْ جَاءَ إلَى الْمَسْجِدِ بِقَصْدِ الصَّلَاةِ وَقَعَدَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الْإِمَامَ لَا يُقَالُ فِيمَا فَعَلَ يُشْعِرُ بِمَجِيئِهِ إلَى الْمَسْجِدِ، وَلَمْ يَقْصِدْهُ أَوْ شَعَرَ بِانْتِظَارِهِ الْإِمَامَ، وَلَمْ يُرِدْهُ بَلْ قَصَدَ الْمَسْجِدَ لِلِائْتِمَامِ وَانْتَظَرَ الْإِمَامَ بِقَصْدٍ وَقَامَ لِلصَّلَاةِ وَتَهَيَّأَ لِلدُّخُولِ لِلصَّلَاةِ وَبَقِيَ يَنْتَظِرُ الْإِمَامَ، كُلُّ ذَلِكَ بِإِرَادَةٍ وَقَصْدٍ انْتَهَى.

ص (وَلَوْ بِجِنَازَةٍ)

ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَزَادَ ابْنُ بَشِيرٍ مَسْأَلَةً أُخْرَى وَهِيَ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فَأَوْجَبَ فِيهَا عَلَى الْإِمَامِ نِيَّةَ الْإِمَامَةِ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ الْجَمَاعَةِ فِيهَا وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ نَصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا نِسَاءٌ صَلَّيْنَ أَفْذَاذًا وَصَرَّحَ فِي الْجَوَاهِرِ بِأَنَّ الْجَمَاعَةَ غَيْرُ مُشْتَرَطَةٍ فِيهَا انْتَهَى، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَإِلْحَاقُ الْجِنَازَةِ بِالْجُمُعَةِ فِي وُجُوبِ الْجَمَاعَةِ يُلْحِقُهَا بِهَا فِي نِيَّةِ الْإِمَامَةِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ كَانَ شَيْخُنَا الْقَرَافِيُّ يُضِيفُ إلَى الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ الْجَمْعَ وَالْجِنَازَةَ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ لَيْلَةَ الْمَطَرِ لَا يَكُونُ إلَّا فِي جَمَاعَةٍ وَهَلْ يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ فِي الْأُولَى أَوْ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِيهِمَا فِيهِ نَظَرٌ ذَكَرَهُ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ الْجِنَازَةُ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ الْجَمَاعَةِ فِيهَا فَيُقَالُ يَنْوِي الْإِمَامُ الْإِمَامَةَ فِي ثَلَاثِ جِيمَاتٍ وَخَاءَيْنِ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ صَاحِبِ التَّوْضِيحِ أَنَّهُ اعْتَرَضَ عَلَى مَسْأَلَةِ الْجِنَازَةِ بِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا نِسَاءٌ صَلَّيْنَ أَفْذَاذًا قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ، وَهَذَا فَرْضٌ نَادِرٌ وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْغَالِبِ، وَقَوْلُ صَاحِبِ الْجَوَاهِرِ: الْجَمَاعَةُ غَيْرُ مُشْتَرَطَةٍ فِيهَا يُرِيدُ أَنَّهَا تَصِحُّ فُرَادَى، فَإِنْ قَصَدُوا الْجَمْعَ فَلَا بُدَّ لِلْإِمَامِ مِنْ نِيَّةِ الْإِمَامَةِ انْتَهَى، وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ صَاحِبِ الْجَوَاهِرِ نَحْوُهُ لِلَّخْمِيِّ وَصَاحِبِ الْمَعُونَةِ فَإِنَّهُمَا قَالَا الْجَمَاعَةُ فِيهَا سُنَّةٌ وَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ وَشَرَطَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ وَغَيْرُهُ فِيهَا الْجَمَاعَةَ قَالَ فَإِنْ فُعِلَتْ بِغَيْرِ إمَامٍ أُعِيدَتْ انْتَهَى.

ص (إلَّا جُمُعَةً وَجَمْعًا)

ش: يَعْنِي أَنَّ الْإِمَامَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامَةَ إذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ وَإِذَا جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، وَهَذَا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لَيْلَةَ الْمَطَرِ لَا فِي كُلِّ جَمْعٍ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ يَنْوِي الْإِمَامَةَ فِي الْجُمُعَةِ وَالْخَوْفِ وَالِاسْتِخْلَافِ وَتَحْصِيلِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ مَا نَصُّهُ، وَلَمْ أَرَ مَنْ أَضَافَ الْجَمْعَ إلَّا الْمُتَأَخِّرِينَ كَالْمُصَنَّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ وَالْقَرَافِيّ وَلَمَّا ذَكَرَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ قَالَ: وَيَظْهَرُ لِي أَنْ يَلْحَقَ بِهَا جَمْعُ الصَّلَاتَيْنِ لَيْلَةَ الْمَطَرِ إذْ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا فِي الْجَمَاعَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامُ الْإِمَامَةَ فِيهَا كَالْجُمُعَةِ انْتَهَى (قُلْت) : وَكَأَنَّ ابْنَ عَطَاءِ اللَّهِ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ عِيَاضٌ فِي قَوَاعِدِهِ فَقَالَ وَعَلَى الْمَأْمُوم عَشْرُ وَظَائِفَ أَنْ يَنْوِيَ الِاقْتِدَاءَ بِإِمَامِهِ وَكَوْنُهُ مَأْمُومًا وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ الْإِمَامَ إلَّا فِيمَا لَا تَصِحُّ فِيهِ الصَّلَاةُ إلَّا بِالْجَمَاعَةِ كَالْجُمُعَةِ وَصَلَاةِ الْخَوْفِ وَمَا يُقَدَّمُ مِنْ الصَّلَوَاتِ قَبْلَ وَقْتِهَا بِسَبَبِ الْجَمْعِ فَيَلْزَمُهُ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ وَالْجَمْعِ، وَكَذَلِكَ الْمُسْتَخْلَفُ انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقَبَّابُ: قَوْلُهُ وَمَا يُقَدَّمُ مِنْ الصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا بِسَبَبِ الْجَمْعِ يَعْنِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - جَمْعَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لَيْلَةَ الْمَطَرِ، وَأَمَّا جَمْعُ عَرَفَةَ أَوْ جَمْعُ الْمُسَافِرِ يَجِدُّ بِهِ السَّيْرُ فَيُقَدَّمُ أَوْ جَمْعُ الْمَرِيضِ يَخَافُ أَنْ يُغْلَبَ عَلَى عَقْلِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ تَصِحُّ فِيهَا الصَّلَاةُ بِدُونِ جَمَاعَةٍ انْتَهَى، وَهُوَ كَلَامٌ ظَاهِرٌ، وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ عَرَفَةَ ذَلِكَ إلَّا فِي جَمْعِ الْمَطَرِ وَبِهِ قَيَّدَ ابْنُ غَازِيٍّ إطْلَاقَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ ذَكَرَ الْجَمْعَ، وَلَمْ أَقِفْ

<<  <  ج: ص:  >  >>