للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والاعتبارات الشرعية، والمناسبات والعلل، والأحكام والحكم، داخلة في الميزان الذي أنزله الله تعالى ووضعه بين عباده، ليزنوا به ما اشتبه من الأمور، ويعرفوا به صدق ما أخبر به وأخبرت رسله، فما خرج عن هذين الأمرين عن الكتاب والميزان مما قيل: إنه حجة أو برهان أو دليل أو نحو ذلك من العبارات، فإنه باطل متناقض، قد فسدت أصوله، وانهدمت مبانيه وفروعه، يعرف ذلك من خبر المسائل ومآخذها، وعرف التمييز بين راجح الأدلة من مرجوحها، والفرق بين الحجج والشبه، وأما من اغتر بالعبارات المزخرفة، والألفاظ المموهة، ولم تنفذ بصيرته إلى المعنى المراد؛ فإنه ليس من أهل هذا الشأن، ولا من فرسان هذا الميدان، فوفاقه وخلافه سيان" (١).

قال -تعالى-: {وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (١٠٥)} [الإسراء: ١٠٥].

قال ابن كثير: "يقول -تعالى- مخبرًا عن كتابه العزيز، وهو القرآن المجيد، أنه بالحق نزل؛ أي: متضمنًا للحق، كما قال -تعالى-: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء: ١٦٦]؛ أي: متضمنًا علم الله الذي أراد أن يُطْلِعكم عليه، من أحكامه وأمره ونهيه. وقوله: {وَبِالْحَقِّ نَزَلَ}؛ أي: ووصل إليك -يا محمَّد- محفوظًا محروسًا، لم يُشَب بغيره، ولا زِيدَ فيه ولا نُقص منه، بل وصل إليك بالحق، فإنه نزل به شديد القُوى، القَوِيّ الأمين المكين المطاع في الملأ الأعلى" (٢).

وقال السعدي: "أي: وبالحق أنزلنا هذا القرآن الكريم، لأمر العباد ونهيهم، وثوابهم وعقابهم، {وَبِالْحَقِّ نَزَلَ}؛ أي: بالصدق والعدل والحفظ من كل شيطان رجيم" (٣).

وقال -تعالى-: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (١٨)} [الجاثية: ١٨].

قال السعدي: "أي: ثم شرعنا لك شريعة كاملة تدعو إلى كل خير وتنهى


(١) المرجع السابق ص ٧٥٦.
(٢) تفسير ابن كثير ص ٧٩٤.
(٣) تفسير السعدي ص ٤٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>