للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والافتراض، وهذا النوع من الدراسات يمثل الجانب الميتافيزيقي أو الغيبي لعلم الاجتماع" (١)، وقد غلب البحث عن الأصل الأول للنظم الاجتماعية على نشاط الجيل الأول من علماء الاجتماع، وأمثلتهم التي يمثلون بها من الشعوب البدائية، تُعرض في قالب تطوري من أثر الدارونية، ثم أعقب هذه المرحلة مرحلة جديدة من الدراسات التي تتفحص الوضعية التطورية وتعارض الكثير من استدلالاتها ونتائجها، ومن ذلك مثلا: دراسات جديدة تدحض مسلمة القول بأن إباحية الحياة الجنسية كانت أولى مراحل تطور الأسرة الإنسانية (٢).

ومهما تكن الجهود المبذولة في هذا المضمار "فإن الاختلاف سيظل قائمًا بينهم ولا يمكن التوصل إلى نتائج قطعية بالاستناد إلى معلومات الإثنوغرافيا وحدها" (٣)، فالعودة لأصل التاريخ الإنساني عبر عينات من أي باب كانت لا يمكن أن تكون الدليل القاطع، ومعلوم أن تلك الأصول البعيدة لا نملك أدلة كافية تبين لنا حقيقتها، وبهذا تكون النتيجة المنطقية أن "المنهج الوضعي قاصر عن الكشف عن حقيقة النظم الاجتماعية من حيث أصل نشأتها؛ لأنه قاصر على إدراك أبعاد التطور الإنساني الضارب في التاريخ، ولابدّ من البحث عن مصدر آخر غير المعلومات التاريخية والإثنوغرافية والإنثروبولوجية والأركيولوجية. . . .، فمهما كانت طبيعة هذه المعلومات فهي ناقصة. . . ."، وإذا كان الأمر بهذه الحال فنحن في حاجة لمصدر آخر قادر على إطلاعنا بتلك الحقبة البعيدة وقادر على هداية البحث العلمي البشري، وهذا المصدر لن يكون إلا الوحي (٤).

ويتواصل الإشكال مع النظريات المطروحة لتفسير التطور من ذلك الأصل الأول إلى الصورة الحالية التي وضعها أهل تلك النظريات آخر حلقة في السلم، ومن بين أشهر الاتجاهات في ذلك: الاتجاه الوضعي والاتجاه الماركسي (٥)،


(١) منهج البحث الاجتماعي بين الوضعية والمعيارية، محمَّد أمزيان ص ٨٦ - ٨٧.
(٢) انظر: المرجع السابق ص ٨٧.
(٣) المرجع السابق ص ٨٨.
(٤) منهج البحث الاجتماعي بين الوضعية والمعيارية ص ٩٠.
(٥) انظر: المرجع السابق، حول الاتجاه الوضعي ص ٩٦، وحول الاتجاه الماركسي ص ٩٩، ويقترب منهج قاسم أمين هنا من الاتجاهات الوضعية، وسيأتي مثال يقترب من الاتجاه الماركسي.

<<  <  ج: ص:  >  >>