للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذه صورة أخرى حول أصل الحجاب، وهي تشترك مع ما طرحه قاسم أمين في باب تحول المرأة ضحية الاستعباد، وقد انتقل من أصل الحجاب إلى واقعه، فزعم أنه أكبر عائق من تحررها وتقدمها، وألصق بالحجاب أقذع الأوصاف، واعتبر "أثر الحجاب على المرأة أقسى ما يمكن أن تُبتلى به الأمة، حتى ولو كان زلزالًا أفضى إلى موت عشرة ملايين مواطن، ولم يبق سوى مليون؛ لأنه قد خلص إلى نتيجة، مفادها أن هبوط مستوى المرأة من الإنسانية إلى الحيوانية، سبب لهذا الحجاب" (١)، ورآه المرض الحقيقي لتأخر نسائنا (٢).

نجد تصحيحًا ماركسيًا لكلام "سلامة" من أحد المعجبين به حول أصل الحجاب وذلك بوضع سكة قطار مادية أحادية: "وهذا صحيح، وإن كانت "النجاسة" في مفهوم المجتمع القديم، لم تتعلق بالدم كما يرى سلامة؛ لأن التفسير العلمي للحجاب هو الإحساس الجديد بالملكية. ففي المجتمع المشاعي -حيث العلاقات الجنسية غير مقيدة- لا نجد الحجاب. وإنما وجد -لأول مرة- مع ميلاد الملكية الفردية. فالنجاسة هناك "اقتصادية" في الأغلب "كما بدأ انتشار ستر العورة كطريقة صريحة لامتلاك النساء". بالرغم من أن "سلامة موسى" يرى أن ستر العورة كان عملية تزيين مثيرة للجنس. وهذا صحيح أيضًا. ولكن هذه الزينة المثيرة نفسها لم تبدأ إلا مع إحساس المرأة بحاجتها "الاقتصادية" للرجل. فلم يصبح ساعداها، وإنما جسدها، مركز الإغراء. ولما كانت الفروق التي حدثت للمجتمع الإنساني، بعد تطوره من العبودية إلى الرأسمالية المعاصرة، لم تصنع تغييرًا حاسمًا لمركز المرأة، فإن جسدها ظل بؤرة إغرائها للرجل .. أو لمستقبلها الاقتصادي، ولذا بقي "الحجاب" و"الفصل بين الجنسين" و"الثأر للشرف". . . . كرواسب حية نامية على العمود الفقري للنظام الطبقي، الممتد من بداية المجتمع العبودي حتى مجتمعنا الرأسمالي الحديث" (٣)، ثم قال هذا الماركسي: "والحجاب -في النهاية- ليس جدران الحريم، ولا البراقع السود، وإنما هو نظام اجتماعي بأكمله"، ويرى أن كل المساواة بين الذكر والأنثى الموجودة في النظام الرأسمالي لن تنجح إلا إذا تغير النظام الاجتماعي


(١) سلامة موسى بين النهضة والتطوير، د. مجدي عبد الحافظ ص ٩٥.
(٢) انظر: النهضة والسقوط. . . .، د. غالي شكري ص ٣١.
(٣) المرجع السابق ص ١٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>