للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على العلم، ويندهش كل عاقل من مكانة العلم في الإِسلام، رسالته تقوم على الانتقال بالأمة من الجهل للعلم، وأن تقيم حياتها على العلم، وقد سبق بيان ذلك. ولو صح حرص العلمانية على العلم فهو علم ناقص وفقير، فهو ناقص من جهة اهتمامه بعلم الدنيا فقط، وفقير لغياب التصورات والقيم التي تحيطه وترعاه، فالعلمانية تريد علمية خالية من الدين حتى فيما هو ضروري للعلم من الدين، بينما العلمية في الإِسلام علمية مستضيئة بنور الوحي ومهتدية بالدين، العلمانية منهج حياة يبعد الدين عن شؤون العالم وهذا لا علاقة له بالعلمية البشرية التي هي نشاط لمعرفة القوانين (١). والعلمية قد نشأت أساسًا في الحضارة الإِسلامية في ظل الإِسلام، بخلاف العلمانية، فقد نشأت في حضارة هاربة من الكنيسة، ومن رجع لتاريخ الفكر الغربي يجد أن الحركة العلمية انطلقت من أناس لا يرفضون الدين، فقد قامت الثورة العلمية والفكر المرتبط بها من قبل متدينين أو لا يرفضون الدين، ومنهم رجال كبار في الكنيسة، فلم تقم معهم دعوى للفصل، وإنما جاء الفصل الحقيقي "مع عصر التنوير وبلغ ذروته مع الوضعيين"، وما زالت آراء الوضعيين ذات تأثير إلى اليوم (٢)، وقد ساد تبعًا لذلك في القرنين الماضيين الاعتقاد بأن هناك تصادمًا لا يمكن تجنبه بين المعرفة العلمية والإيمان الديني، وقد آن الأوان -بحسب زعمهم- للاستعاضة عن العقائد الدينية بالعلم (٣). ومع ذلك فمن المسلم به أن العلمانية تبنّت العلم الحديث ودافعت عنه ولكن بالصورة التي تراها, وليس ذاك العلم المحايد الموضوعي، وإنما العلم المنخرط في صراع فكري داخل الغرب المختلط بتصورات فلسفية وفكرية لا دينية؛ أي: العلم العلماني وليس العلم المحايد الموضوعي.

والعلم طاقة من طاقات الإنسان، وهو في حاجة إلى منهج وروح وليس أمامه سوى الدين أو العلمنة (٤)، والعلمنة قد أثبتت فشلها أن تكون روحًا للعلم،


(١) انظر: العلمانية النشأة والأثر في الشرق والغرب، زكريا فايد ص ١٥٩ - ١٦١، وانظر: المرجع السابق، طعيمة ص ٢١٠ - ٢١١، وانظر: الإِسلام والعلمانية .. ، د. يوسف القرضاوي ص ٦٣ - ٧١.
(٢) انظر: الأسس الميتافيزيقية للعلم، د. حسين علي ص ٨.
(٣) انظر: المرجع السابق ص ٢٧.
(٤) انظر: المرجع السابق، طعيمة ص ٢٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>