فقيرة جدًا في حاجات الإنسان الشمولية، ولا يعني ذلك الإنقاص من أهمية العلوم التي برعوا فيها, ولكن إنما هو بيان خطرها عندما تُفصل عن الدين، وها هم يبحثون عن بديل للدين لكي يملؤوا به حياة الإنسان كالفنون والآداب والمتع لعلها تلبي حاجته ومع ذلك لم تُلبَّ تلك الحاجات، وكان الظن بأن العلم الدنيوي هو البلسم للإنسان فإذا هو يزداد بهم شقاء، ولم تتحقق الأمنية، وكان الجدير بالمتغربين إذ اطلعوا على ثقافة الغرب وحياته أن ينتبهوا لهذه المشكلة النابعة من علمنة الحياة، وأن ينبهوا من خلفهم، وأن يشاركوا في تقديم البديل الإسلامي.
قد يفتتن البعض بتجاور بعض الأمور، فيعتقد مثلًا أن تقدم العلم في الغرب جاء مع نجاح العلمانية في تلك البلاد، بسبب التجاور بينهما, ولا شك أن العلمانية خففت من تسلط الكنيسة الفاسدة والموروثات الباطلة والعقيمة، ولكن التقدم العلمي عمومًا يرتبط بمن يفتح له المجال ويشجعه وهذا ما نجده بارزًا في الإِسلام، فقد صاحب وجود الإِسلام ثورة علمية حقيقية في البيئة الإِسلامية، وارتباط العلم بالإِسلام أوضح من ارتباطه بالعلمانية؛ يرتبط بالعلمانية تقدم العلوم الدنيوية والصناعية ولكنه ظاهر الحياة الذي يفرح به الكفار بينما العلم الكامل والحقيقي هم في غفلة عنه، فالإِسلام يرتبط به تقدم العلم الديني والدنيوي وتكاملهما، أما العلمانية فيرتبط بها التقدم الدنيوي مع خسران الإيمان بالله وخسارة الآخرة، وعلى هذا فالتجاور لا يعني السببية وإن وجدت فينظر في حقيقتها، وهي هنا قد تكون مصاحبة لتقدم العلم في الغرب ولكنها ليست الوحيدة كما تقدم في الباب الأول، كما أنها لا تُقارن بدور الإِسلام (١) بربانيته
(١) انظر: المؤلفات المعاصرة التي تتحدث عن خصائص التصور الإِسلامي أو بعضها مثل: خصائص التصور الإِسلامي، سيد قطب، الشمول .. ، د. عابد السفياني، واقعية التشريع الإِسلامي وآثارها، زياد صالح، المنهاج القرآني في التشريع، د. عبد الستار سعيد، خصائص الشريعة الإِسلامية، عمر الأشقر ص ٣٣، شريعة الإِسلام خلودها وصلاحها للتطبيق في كل زمان ومكان، يوسف القرضاوي ص ١٨، ميزات الشريعة الإِسلامية على القوانين الوضعية، عبد الحميد طهماز ص ٥١، وغيرها، كما أن المكتبة الإِسلامية تحوي على بابين كبيرين تحدثا عن الموضوع وفيهما كتب كثيرة، وهما: تاريخ الفقه الإِسلامي أو التشريع الإِسلامي، ومدخل الفقه الإِسلامي أو التشريع الإِسلامي.