بعيدًا عن النظر في العلاقة بالرب والغيب والدين والرسالات والآخرة والكون المخلوق، وقصة "لابلاس" وأمثاله مشهورة، والكلام هنا ليس عن الجزئيات العلمية مثل معادلات رياضية أو تفاعلات كيميائية، وإنما المقصود عن الأطر العامة التي هي أساسية في التصور الإِسلامي لكل نشاط بشري.
٧ - رفض أي ضابط ديني قيمي للعلم، ويرى العلمانيون أن هذا من باب فتح الباب لحرية العلم حتى وإن خالف الحق الديني، وهذا يكثر في باب العمليات، فقد نجد الشرع يعارض بعض الأمور العلمية لمفاسدها وليس لعدم إمكانها، وهم يرون أن العلم لا يعرف هذه الموانع إلا ما تمنعه عقولهم.
٨ - جعل العلم مقياسًا لما يُقبل أو يرفض من الدين، والحق هو في العكس، مع توسيع مفهوم العلم هنا بحيث يدخل فيه ما هو محل اشتغال داخل العلم وإن لم يكن علمًا، وفي المقابل يرفضون جعل الدين مقياسًا للمجال العلمي.
٩ - ما يترتب على هذا التصور من جعل العلم ومؤسساته ومراكزه بعيدة عن الدين منفصلة عنه، فينطلق التصور الذهني إلى واقع مؤسساتي رافضًا للدين وطاردًا له، كما هو حال مؤسسات التعليم وجامعاته، مما دفع بالمتدينين في الغرب إلى فتح مدارس خاصة بهم لا تتبع الدولة (١).
فهذه أبرز معالم العلمانية، وهي تعد قاسمًا مشتركًا عند أغلب التيارات الفكرية الغربية، وقد نجحت تلك التيارات في جعل العلمانية من صلب دستور الدولة الغربية الحديثة، وهي علمانية نجحت في فرض رؤيتها على المجالات المهمة في الحياة الغربية بما في ذلك المجال العلمي، فامتدت المعالم السابقة إليه، تُمدّه بالتصور البديل والروح والغذاء، وهي نفسها التي نراها تدخل في دعوى علمنة العلم، وهي التي يواجهها الفكر الإِسلامي بكل قوّة.
(١) قد سبق عرضها في مباحث مختلفة ولاسيّما في الفصل الأول من الباب الثاني، والمبحث الأول من الفصل الثاني من الباب الأول.