ليست عملية الفصل العلماني فقط في إبعاد الدين عن العلم بمعنى عدم الاستدلال بآية أو حديث على مسائله الرياضية أو الطبيعية، فهذه لا يقول بها حتى الاتجاه الديني الداعي للتأصيل الإِسلامي، والاتجاه العلماني يذكر هذا عادة من باب السخرية من التيار الإِسلامي وإلا فالعلمانية ليست إبعاد الدين فقط وإنما هي إبعاد الله عن العلم، وهنا بالذات يقع الفرق بين الرؤيتين الدينية والعلمانية، فالعلمانية عندما تمتنع عن ذكر الله سبحانه في ميدان العلم يرتبط بذلك عدد كبير من التصورات والنتائج، يصبح العالم لوحده ويسبح في هذا الفراغ المظلم، مجرات بنجومها وأرض صغيرة توجد فيها هذه الحياة، ويشتغل العلم العلماني في هذا العالم التائه، وعندما يوضع سؤال: من أين جاء هذا العالم؟ يرفض العلم العلماني إعادة ذلك لله؛ لأنه بحسب العلم العلماني جواب غير علمي. وعندما يأتي سؤال عن غاية العالم أو عن مصيره، عندها يمنع العلم العلماني البحث في الغايات؛ لأنه غير علمي، ومصير العالم يبحث فقط في حدود العلم الذي يحدد مصير الكون دون ربط ذلك بمصير أخروي فهذا مبحث غير علمي. وعندما يأتي تعليل للحوادث الكونية بربطها بتدبير الخالق سبحانه، فهذا في العلم العلماني تعليل غير مقبول، وتجدها في النهاية مرتبطة بإبعاد الله سبحانه عن العلم بسبب علمانيته، وفي ذلك يقول محمَّد قطب عن علمانية العلم في أوروبا:"ولكن أوروبا بدأت من هذه الحماقة ثم لجت فيها إلى أبعد الحدود ..
مجرد ذكر اسم الله في البحث العلمي يعتبر إفسادًا للروح العلمية، ومبررًا لطرح النتائج العلمية كلها ولو كانت كلها صحيحة بمقياس العلم ذاته الذي جعلوه إلهًا من دون الله! بل مجرد الاعتقاد بوجود الله، وأنه هو خالق الخلق وخالق الكون كفيل بإخراج العالم من دائرة العلماء الذين يعتد بهم ويؤخذ بآرائهم ولو كانت آراؤه صحيحة بمقياس البحث العلمي، بل إنه يحيط ذلك العالم بالارتياب والشك في كل ما يقول، ويجعله موضع الزراية من العلماء "الحقيقيين" الذين لابد أن يكونوا ملحدين لتكون آراؤهم موضع التسليم! "(١).