للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يرجع الموقف الرافض للتأصيل الإِسلامي في حقيقته إلى مرض القلب الشاك الموسوس الذي لم يعمر الإيمان قلبه، وذلك أن من آمن بالله وآمن برسله علم أن الذي خلق الكون هو أعلم به والذي خلق البشر هو أعلم بهم، وخالق الكون أخبرنا بأمور عن هذا الكون المخلوق الغائب منه والمشهود لا يستطيع الإنسان معرفتها على وجه التفصيل، وخالق البشر شرع ما يصلح حال البشر مما لا يستطيع الإنسان إدراك تفاصيله، فالعلوم التي تبحث في عالم المخلوقات ثم تتجاوز إمكانياتها أو تدرس الإنسان والمجتمع وتتجاوز إمكانياتها، هي تنبع ممن لم يُسلّم بصلة بين الخالق والمخلوق ومن عدم وجود طمأنينة تُذهب الشك، لهذا يرفضون الدين ويعتمدون على العقل والعلم وغيرهما، وقد يكون في البيئة الغربية التي عرفت التطور العلمي الحديث ما يؤجج هذا الشك في الدين والاشتباه به، ولاسيّما مع الصراع السيئ الذي وقع باسم الدين من قبل الكنيسة مع العلم، ولكن ذلك يختلف في بيئة إسلامية لم يظهر في دينهم ما يثير عند أهله أي شك؛ فمصدرهم القرآن الكريم، فهو المحكم وهو المتشابه، قال شيخ الإِسلام ابن تيمية: "قال الله -تعالى-: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ} [هود: ١]، فأخبر أنه أحكم آياته كلها، وقال -تعالى-: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} [الزمر: ٢٣]، فأخبر أنه كله متشابه"، إلى أن قال: "وإحكام الشيء إتقانه، فإحكام الكلام إتقانه، بتمييز الصدق من الكذب في أخباره، وتمييز الرشد من الغي في أوامره، والقرآن كله محكم بمعنى الإتقان"، إلى أن قال: "وأما التشابه الذي يعمه، فهو ضد الاختلاف المنفي عنه في قوله: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: ٨٢]. . . . فالتشابه هنا: هو تماثل الكلام وتناسبه: بحيث يصدق بعضه بعضًا. . . ." (١). نعم صمدت أديان باطلة من حولنا ولكنها في مواجهة العلم خسرت كل شيء، ولهذا لم يكن لأهلها إلا القول بمجالين والأخذ بالعلمانية بخلاف الإِسلام، فقد تعرضت الأمة لزلازل فصمد الإِسلام، ثم لما جاء العلم الحديث صمد أيضًا؛ لأنه الحق، فهو في كل مجال خاضه لم يأت أحد بما يناقضه وهنا إحكامه، وما زالت تظهر السنن في الآفاق والأنفس التي تُثبت أن هذا من عند الله، قال -تعالى-: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ


(١) التدمرية. . . .، شيخ الإِسلام ابن تيمية ص ١٠٢ - ١٠٤، تحقيق محمَّد السعوي.

<<  <  ج: ص:  >  >>