للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم هو وبتحليل جيد يكشف خداع مصطلح العلمانية، بالفعل هو كذلك، لأنه خادع في مسماه وخادع في عمله، ولاسيّما عندما استولى عليه طائفة من الملحدين ووظفوه في صراعهم ضد الدين، فكيف لمصطلح أن يقدم خدمة للإنسان وهو الذي أدى إلى صور الأزمات السابقة!

المثال الثالث: يتميز الدكتور "فؤاد زكريا" بانتمائه لاتجاه يهتم بالعلم والعلمية، وفي الوقت نفسه مدافع مشهور عن العلمانية ومحارب شديد للاتجاه الإِسلامي، مما يجعل الباحث عن حجج لعلمانية العلم يتوقع أن يجد عنده ما لا يجد عند غيره بسبب كل هذه المميزات، ولكن يظهر أن اندفاعه للعلمنة وخوضه معارك تبرير وجودها قد جرّته إلى أقوال ومواقف مخالفة للعقل والحكمة حتى في بعض الأمور الواضحة.

لقد جمع كل ما يستطع من أساليب وحجج وأدلة للإقناع بأهمية العلمنة، وأن التقدم مرتبط بها، وبما أن العلمنة مفهوم واسع عنده فأكتفي بما له صلة بموضوع علمنة العلم، وبما له صلة برفض مشروع التأصيل الإِسلامي للعلوم.

يرى "زكريا" بأن العلمانية ضرورة حضارية، ويقدم لهذا الاعتقاد كل ما يسانده، ولكنه يواجه مجتمعًا لم يصدق بهذه الضرورة، وهو يركز على أثر الاتجاه الإِسلامي في مهاجمة العلمانية، ويحلل في المقابل دور العلمانيين في علمنة المجتمع، ليميز بين مرحلتين: مرحلة القوة ومرحلة الضعف، المرحلة الأولى جاءت أول القرن العشرين (١٤ هـ)، فترة انبهار المفكرين العرب بالغرب وتأكيدهم تبعًا لذلك "أن الخلاص من تخلف القرون الوسطى. . . . لن يتحقق إلا بأخذ النموذج العلماني الأوروبي بكل عناصره" (١)، وقد كان غالبهم من النصارى، ثم جاءت مرحلة الضعف للعلمانية بعد بروز الاتجاه الإِسلامي، عندها أصبحت العلمانية في حالة دفاعية، في وقت اتساع نشاط الحركة الإِسلامية "من مجرد دعوة تستهدف تقوية الدور الذي يلعبه الدين في حياة الأفراد، إلى المناداة بتوجيه المؤسسات ذاتها. . . . وإخضاع كافة أنظمة المجتمع لسلطة الدين. . ." (٢)، وهكذا يتحول العلمانيون من نشر العلمانية إلى مقاومة التيار الإِسلامي، وهو تيار


(١) الصحوة الإِسلامية في ميزان العقل، د. فؤاد زكريا ص ٤٧.
(٢) انظر: المرجع السابق ص ٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>