خليط يضمّ اليوم "القومي واليساري والليبرالي والمثقف غير المسيس"(١).
وكعادة المدافعين عن العلمنة يخفون الأسباب الحقيقية للقوة أو الضعف، فإن سبب القوة في المرحلة الأولى لا علاقة له بصدق العلمانية وصحتها، وإنما هو عائد إلى رعاية الاستعمار لطائفة من النصارى المتعلمنين، وعندما زال الاستعمار انكشفت أمام المسلمين بزيفها, ولاسيّما بعد النقد الإِسلامي الذي عرّاها وكشف أنها كانت أداة بيد المستعمر لهدم مقومات الأمة، ولهذا تحولت في المرحلة الأخيرة إلى الدفاع، ومع ذلك فليس سبب ضعف العلمانية هو فقط في فقد السند المادي لها، وإنما في فقد المبررات المنطقية؛ لأننا لا نقوّم الأفكار فقط بسبب وجود مؤيد لها كان موجودًا ثم فقد، وإنما الأهم ما تقدمه من مبررات لوجودها، وقد اجتهد "زكريا" في تقديم الكثير من ذلك، ومنها ما كان في مجال علمنة العلم.
نقف الآن مع خمس قضايا أثارها "فؤاد زكريا" حول العلمانية وعلمنة العلم، وتأتي أهميتها في دائرة الفكر العلماني من المكانة التي أخذتها العلمانية عند زكريا، وهذه القضايا هي:
١ - العلمانية ضد الاستعانة بالسماء لطرف ضدّ آخر.
٢ - العلمانية لا تعني المادية أو اللادينية.
٣ - العلمانية ضد السلطة الدينية "الكنيسة وشبيهاتها".
٤ - العلمانية تعني الخروج من العصور الوسطى المظلمة.
٥ - العلمانية ضد إسلامية المعرفة.
١ - العلمانية ضد الاستعانة بالسماء لطرف ضدّ آخر:
يقول "زكريا" في هذه: "يؤكد العلمانيون أن إقحام "السماء" أو الاستعانة بها من أجل تغليب طرف على طرف يشوه جميع القضايا ويعطل حلولها ويضع الصراعات كلها في إطار زائف. . . . وكل ما يريده العلمانيون هو أن ينزل كل طرف إلى ساحة الصراع وهو معترف بأنه يمثل وجهة نظر بشرية تحتمل الصواب أو الخطأ، وأن يدور هذا الصراع على أساس البقاء للأصلح عقلًا والأكثر إقناعًا
(١) انظر: المرجع السابق ص ٤٨، وانظر: الأسس الفلسفية للعلمانية، عادل ظاهر ص ٥.